عندما كنتُ في الجامعة درست مادة “إدارة الجودة الشاملة” ولأني درستها على يد أستاذة فاضلة وعزيزة جدًا، فقد غيرت فيني أشياء كثيرة -هذه المادة- من ضمنها: ضرورة الموازنة بين حاجتي والجودة، إذا أنه ليس كل شيء يجب أن تكون جودته عالية، الجودة المتوسطة تكون كافية أحيانًا. ثم أن أهم نقطة في الجودة هي كالتالي: الجودة تبدأ من الداخل، من عمق الاشياء. فالشركات التي تريد تطبيق الجودة الشاملة تقوم بدمج مخطط الجودة مع الخطة الاستراتيجية للشركة، بجميع أقسامها.
الجودة تبدأ من الداخل ثم تحفر طريقها للخارج. – بوب مواواد
المشكلة عندما ننظر للجودة بنظرة سطحية، وساذجة. مثلا يرى البعض انه كل ما زاد ثمن الشيء زادت جودته، صحيح أن الجودة قد تكون فعلا عالية، لكن هل السعر بقدر الجودة أم يتجاوزها بأضعاف؟ لان السعر يتأثر بعناصر أخرى مثل: الطلب، العرض، القوة الشرائية، المنافسة، فلسفة إدارة الشركة ولا ننسى قوة العلامة التجارية. هذا غير أن بعض الشركات في الاصل تستهدف طبقة اجتماعية مُحددة، لكن التسويق الجيد المتبوع بقلة وعي عند المستهلك حاس الدنيا فصرنا لا نعرف ماهو لنا وماهو علينا.
في رمضان الماضي، احضرت لي أختي كوب قهوة سعره 30 ريال، لا أتذكر كم مره ارتشفت منها بهدوء فقط في محاولة لايجاد الميزة التي تجعلها بهكذا سعر! لم أجد شيء سوى انها تتبع لعلامة تجارية عالمية. بعض الشركات نجحت في إضافة قيمة لعلامتها التجارية بحيث نشعر بالسعادة عند الشراء منها، حتى وإن كانت سعادة وهمية وقصيرة، فقد أوصلتنا لمرحلة أننا صرنا نشتري القهوة لأجل الكوب الذي عليه علامتها التجارية “البراند” لا القهوة ذاتها.
طرحت استفتاء على حسابي بتويتر قلت فيه: “لماذا تشتري قهوتك من ستاربكس؟ ليش مب من أستاذ القهوة مثلا!” مع العلم أن أستاذ القهوة كافية محلي. كانت النتيجة كالتالي: 39٪ لان مذاق القهوة رائع، 42٪ لانهم ستاربكس وأخيرًا 19٪ لانهم يكتبون الاسم على الكوب. الاستفتاء للتأمل ولمشاهدة التغريدة ( هنا )
الاعلان السابق هو لشركة المقاهي العالمية Costa تقول فيه: “نقضي مزيداً من الوقت في اتقان مهارة تحضير القهوة أكثر من كتابة الأسماء” ياترى مين تقصد؟
في اللحظة الاولى من قراءة الاعلان ضحكت، ثم بعدها فكرت في أنه ياترى هل كانت Costa “تطقطق” على منافسها StarBucks وإلا علينا إحنا؟ الحقيقة تقول: صعبة نتقبل فكرة أننا اصبحنا مجرد مستهلكين للعلامات التجارية المختلفة. أنا أشعر بالاستياء في كل مرة تنطلي فيها علي خدعة تسويقية أو اعلان، فأقوم بشراء شيء لأجل القيمة المعنوية التي فيه، أو أشتري مالا أحتاجه. لذلك نصيحة كل يوم: لا تكن عاطفي. أو حاول على الأقل أن لا تكون كذلك.
الولاء المُطلق، يعني إنعدام الوعي. – جورج أورويل
ختامًا، بما أني من عشاق القهوة، يلفت انتباهي كل شيء يتعلق بها، وقد جاءت فكرة هذه التدوينة من مقطع مترجم في تويتر كان يقول بشكل عام: “أستطعم القهوة، لا شكل الكوب“
المقطع في الرابط التالي ( هنا ) .. مشاهدة ممتعة
وبمناسبة قُرب الشتوية: صباحكم قهوة 🙂