لقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص على اغراقنا بالاعلانات، التي تخلق نمط حياة محدد، مثالي نوعا ما، وتُقنعنا بإمكانية تحقيقه، هذه الصورة تؤدي بدورها الى تقليل احترامك لذاتك، وبالتالي انفاق المزيد من الأموال من أجل الوصول الى الصورة النمطية التي تعتقد أنت وبشكل خاطئ أنها الصورة الصحيحة.
لذلك من الضروري أن نسأل أنفسنا: هل تُصنف الاعلانات “عُنف ضد المرأة“؟ من خلال ترويجها لبعض الافكار مثل النحافة ومعايير الجمال المثالية، وذلك في الافلام، المسلسلات، الاعلانات القصيرة، الفاشنستا، المشاهير..
الاعلانات لا تروج لمنتجات وخدمات فقط، بل تروج كذلك لقيم وصور ومفاهيم عن الحب والحياة والنجاح، كما أنها تسهم في توجيهنا داخلياً لما علينا أن نعتبره “طبيعي” و”عادي”، وتحاول أن تقول لنا “نعم، كونوا هذا الشخص” و ” لا، لا تكونوا هذا الشخص”
تقول مسؤولة في وكالة دعاية وإعلان: “نقضي 6 ساعات لتنقيح فديو من 90 ثانية” إن كلمة فوتوشوب ليست مُزحة تطلق على أي شيء نراهُ غير واقعي، إنها واقع بحد ذاته، فالصور التي نراها لا تشبه الصور التي التقطتها الكاميرا، ولذلك جاء سؤال آخر: “ما الذي يتم فعله في الصور من التقاطة الكاميرا والى وقت عرضها على الجمهور؟” حتى أن فوتوشوب بحد ذاتها تركز في تقديم نفسها على الطريقة التي تستطيع من خلالها جعلك تبدو كشخص مثالي.
الهدف من الاعلانات: اختلاق المستهلكين. فتقضي وقتك وجهدك بمحاولة الحصول على هذه الأشياء التي لا تريدها ولا تحتاجها، والتي ربما سترميها لاحقا، إعلانًا تلفزيونيا عن سيارة مثلا، سيكون بالتعاون مع نجم أو ممثل، وتقوم السيارة بعمل جنوني كالقفز من جبل، والهدف من هذا خلق مستهلكين غير مطلعين، وبالتالي سيتخذون اختيارات غير عاقلة، وهذا ماعليه الإعلان بالأساس، وهذا يتعارض مع تعريف الأسواق التي يفترض أن تقوم على “مستهلكين مطلعين يتخذون اختيارات عاقلة”
_ نعوم تشومسكي
يأتي سؤال: كيف ينظر مؤلفي الإعلانات اليك كمستهلك؟
روبرت هيث يُجيب: “فاتر الشعور وغبي نوعًا ما. تُدس اليك المعلومات عن طريق الاساليب النفسية التي تدمر دفاعك كمستهلك” كيف نردُ عليهم نحن كمستهلكين؟ عن طريق مايسمى بـ”الحجة المضادة” وهي كالتالي: “كلما فكرت أكثر في الادعاء الذي يطرحه الإعلان، سهل عليك معارضته”
روبرت هيث يقول وفق دراسات عديدة، أن الاعلانات التي لا نلقي لها بالاً (مستوى تركيز اقل) هي التي تؤثر فينا أكثر. على سبيل المثال: اعلانات السناب ..
الفاشنستا مثلا، عندما بحثت عن أصل الكلمة صارت تُعتبر “نمط حياة” أما بالنسبة لي فأراها أقرب لفتاة الاعلان منها الى نمط حياة. الفاشنستا، والأمر يشمل بعض مشاهير وسائل التواصل من غير الفاشنستا، قد تم التعاقد مع بعضهم من قبل علامات تجارية، بعضها يظهر لنا وبعضها يغيب تحت مسمى “الاعلان الغير مباشر”، حتى وإن لم يكن بينهم وبين أي علامة تجارية عقد تعاون، فقد اصبحوا بشكل أو بأخر عبارة عن واجهة لهذه العلامات التجارية، فـ بوعي أو بدونه، أصبحوا يقومون بعمل دعاية/اعلان لعلامات مختلفة، بمجرد انفاقهم لبعض مالهم، ونحن أصبحنا بوعي أو بدونه، مجرد مستهلكين. هكذا ببساطة.
من ناحية الدفع : فالإعلان مدفوع القيمة بينما الدعاية غير مدفوعة القيمة. من ناحية التحكم: فالإعلان يمكن التحكم به في أي موقع نريد وماذا نريد أن نقول. من ناحية المصداقية: فالجمهور يصدق الدعاية أكثر من الإعلان لأنه عندما يتحدث الشخص عن نفسه فالناس قد لا يصدقونه.
ـ عبيد العبدلي
إن الرؤية المتكررة للاعلانات وللأشخاص الذين يحاولون الظهور بشكل مثالي، أو تحاول الشركات إظهارهم بهذا الشكل، يؤدي بدوره الى رسم صورة نمطية مثالية، تخلق للانسان عُقد لم يكن على علم بها، أو لم يكن يراها سابقا كعُقدة. أنها تصرفات مدروسة، تُعطي إشارة مبطنة بأن هذا مايجب أن تكون عليه، ملابس من علامات تجارية عالمية، بشرة مثالية، نحافة، شعر حيوي وكثيف، وفي هذه الحالة يوجد بُعدين مؤثرين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
عن بعض العُقد يقول الدكتور أحمد العيسى: “طلب توحيد لون الجسم -لغير مرضى البهاق- طلب عاطفي” كما أن أغلب الحيل الموجودة في العيادات لتوحيد لون الجسم انما هي تجميلية لا أساس طبي لها، وبعضها له تبعات على المدى الطويل. ولأنه طلب عاطفي بشكل بحت، فالأغلبية التي تسعى وراءه تغفل عن عدة عوامل مؤثرة في عدم توحد لون الجسم، على سبيل المثال: الوراثة وهي في المقام الأول، الطبيعة الجغرافية للمنطقة الموجود فيها. حتى أن بعض المشاكل التي خُلقت في رؤسنا بموثر ما، لا يراها الطب مشكلة، حتى أنه يكره العبث بها، مثال: اسمرار المفاصل وماحول الاظافر، الهالات السوداء، مسام البشرة، التشققات، السلولايت.. الدكتور احمد ركز على أن “القناعة والرضا” هي الحل.
في دراسة للباحثة ان بيكر، وجدت أنه وبعد وصول التلفاز إلى جمهورية جزر فيجي، بدأت أعداد كبيرة من الفتيات هناك يعانين من صعوبات وأمراض تتعلق بتناول الطعام مثل مرض فقدان الشهية العصابي (Anorexia) وبوتيرة متسارعة! كل هذا الكلام لا يعني أنه من الخطأ أن تبدو المرأة جذابة وجميلة، ولكن الخطأ هنا أن تكون الكثير من المصادر حولها تشعرها بأن شكلها هو المهم وفقط.
حتى وإن وقعت في فخ كهذا، فقد كرهتُ دائما الطريقة التي يعامل بها العالم المرأة كسلعة أو وسيلة عرض. لذلك لطفا لا تسمحوا لأي شخص/وكالة اعلان أن يشعوركم بأنكم أقل.
“لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ”
ختاما، تذكرت هكذا وأنا أشرب قهوة الصباح عبارة تقول: “فتاة الاعلانات لا تُشبه نفسها” وعندما قررت البحث عن مصدرها، وجدت تدوينتي الجديدة. بشكل جدي، من أحب التدوينات إلى قلبي، هي التي أجدها وأنا أبحث عن شيء آخر. تقول أحلام مستغانمي:
“أجمل حب هو الذي نعثر عليه أثناء بحثنا عن شيء آخر“❤️
أوقات طيبة ..
رأي واحد حول “هل رسمت الاعلانات صورة نمطية للمرأة؟”