التأتأة: عُقد الطفولة كمادة للسخرية

بعد البسملة:

سنظلُّ نرسم ضحكة الأطفالِ.. حتى يضحكَ الأطفالُ‏ ❤️

في طفولتي كنتُ أعاني من التأتأة، وعادتي في الحديث وكأن الكلمات تتسابق من فمي، زادت من حدة التأتأة، كانت تلزمني (الركادة) لتجنب أكثر عدد من الكلمات المترددة. وكان لدي أستاذة وأشخاص من محيطي، قد أخذوني كمادة للسخرية. مازلتُ لا أفهم كيف يكون بوسع أستاذة أن تجرح طفلة أمام جميع زميلاتها دون أن يحرك هذا في ضميرها أي شيء. أنا التي عندما سمعت اسمها قبل سنوات، سرت في جسمي قشعريرة تُنبئنا عن ما خلفته فيّ هذه العقدة القديمة، عفى الله عنها. أما الذين كان تكرار كلماتي من بعدي، أحد مُتعهم الخاصة، لم استطع نسيانهم، ففي كل مرة يفتخرون بها بإنجازاتي، يجيء ببالي أنه كان بوسعهم تدمير مسيرتي التعليمية، لولا سعة لطف الله، ثم ايمان أمي بي. امي التي سعت للإمساك بي من كلتا يدي، لتتعثر الكلمات في فمي، لا أن تتعثر قدمي، وكم يبدو الامساك بطفلة يتيمة مندفعة ومتوجسة أمر مرهق.. وهذا ما دفعني مرة لكتابة رسالة بلسان أبي -رحمه الله- الى أمي: “السلام على أُمكِ، وعلى كل الأيام التي اضطرت أن تكون فيها أم وأب في آنٍ واحد.

يأتي إليك المستجير ماشيًا.. وأنتَ يا ذا الجود تأتي هرولة

بدأت رحلة التعافي في الصف الرابع. كنت ولله الحمد طالبة متفوقة، وطلبت مني الأستاذة “فوزية المندرج” الخروج في الإذاعة ورفضت لعلمي بما قد يبعثه العدد الكبير في نفسي من خيفة، تفهمت أستاذة فوزية خوفي واخرجتني في الإذاعة لتقديم أنشودة مع زميلة لي، لم يكن لي دور فعلي، كنت فقط أردد معها الكلمات، لكن كان المكسب هو خروجي لأول مره أمام الآخرين متجاهلة كل الأفكار السيئة التي عشتُ معها في الصف الثاني والثالث.

في الصف الرابع ايضا تركت أمي مهمة متابعة دروسي، لأنه يجب أن اعتمد على نفسي، ومن يومها جربت الوقوف أخر الصف بسبب نسيان واجب أو دفتر، جربتُ الدخول في مشاكل والخروج منها دون الاستعانة بأحد، السقوط ثم الوقوف.. لأن أمي تعتقد بأن التدخل بمشاكل ابنتها سيجعلها شخصية اتكالية أو انه سيزيد من أخطائها لوجود من يلملمها من بعدها، وقد كنتُ منذ البداية لا أحب البكاء والشكوى، ووصلت الى هذا العمر ولدي الكثير من الأشياء التي دخلتها وخرجتُ منها ولم يعلم بها أحد، مما دفع أمي لتقول لي مرة: “ليت من عرف أيش فيه داخل هالرأس” تقصدُ رأسي، يبدو أني صرتُ مستقلة أكثر مما توقعته أمي.

ولأن “إنما العلم بالتعلم”، خرجتُ بعدها في الإذاعة بأدوار صغيرة، ومع مرور الأيام والسنوات تجاوزتُ التأتأة، حتى صرتُ في الثانوية المسؤولة عن الإذاعة وتقديم الأنشطة، وفي الجامعة كنت أقدم العروض التقديمية وأخرج في المنتديات الإدارية. نعم حسبتُ يومها أني تغلبت وأخيرًا على تعثر كلماتي، لم أعتقد ولو ليوم واحد أن التجاوز لا يعني بالضرورة أن هذه العقدة لم تترك في روحي أثر اتذكرها به غدًا.

لكَ الحمدُ لا أحصي الجميل، ولم أزل .. أنا العاجز المحتار عن مبلغ الشكر 

في المستوى الأخير من الجامعة، اصابني التهاب في فمي وتحديدًا لساني، مما جعل مخارج الحروف عندي تضطرب، وكنت أدرس وقتها مقرر اقتصادي “جدوى المشروعات” مع دكتورة فلسطينية.. كان علينا تقديم وعرض المشروع في أسبوع اصابتي، ذهبت اليها وشرحت لها أني أعاني من مشكلة صحية، قالت: “مافيك شيء، أنا فهمت كلامك، بتقدرين تشرحين مشروعك”، ورفضت الدكتورة أي محاولة مني للاعتراض، لأنها تعتقد بأني قد كبرتُ المشكلة في رأسي، أكثر مما هي عليه في الواقع، وقد كانت مُحقة.

وقتها لم تكن المشكلة الحقيقية في مخارج الحروف عندي، بل في أن هذا الخلل البسيط قد هوى بي الى أيام طفولتي، شرعتُ أبوابي للقلق القديم، مما دفعني للاعتذار عن تقديم مشروعي، وبهذا تكون الأستاذة نادية هي الأستاذة الثانية في حياتي التي تدفعني للإمام بينما كنتُ اتراجع.. جزاهم الله عني خير الجزاء.

هل أنا أعتقد بأن التأتأة مشكلة ثقة؟ لأ. أعتقد بأن الأمر مرتبط بالظروف المحيطة، وطبيعة شخصية المرء، وبعض الصفات التي تُساعد في التجاوز. وهذا يبرر كيف أننا نجد أشخاص لم يتخلصوا منها، رغم ثقتهم بأنفسهم، وآخرين تخلصوا منها لا لفرط ثقة عندهم، انما لسبب لا نعلمه، الأمر مُغيب بالنسبة لي.

القلبُ غِمدُ الذكرياتِ، مَنِ الذي .. أفضى لسيفٍ في الضلوعِ، وسَلّه!

رزقنا الله وإياكم الحياة السعيدة والطيبة.

جنان كانت هنا ❤️

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s