“أحسنُ وقت للهوى تشرين”

تقولي كلام وافرح بيه/ اسيب النوم وافكر فيه.. أنت تقول وتمشي/ وأنا اسهر مانمشي*

سألتني: “ليه المخطوبات جديد يطيب لهم استشاراتك دائمًا؟” واضيفوا “الحب” إلى مواضيع الخطبة وتكون بهذا اكثر ما يصلني من استشارات، اما إجابة سؤال “ليه” فالأصل أن تحصل المرأة على الدعم النفسي والعاطفي في هذه المواضيع من محيطها (النسائي) القريب، فإن لم تجد فهي تلجأ للغريب الذي تحسبه مُلم بهذا الموضوع، تسأل في -حالتي- دون أن تخشى الملامة والتحقير إن كان حُبا، أو انكشاف هويتها إن كانت خطبة.

“القلوب التي تتفتح لأول مرة؛ يطعنها أن لا تجد المطر بانتظارها.. لكنها ستتعلم كيف تكون أقوى حيال شمس قارسة، وتتقن مع الوقت التحايل على الموت المتربص بها.. وربما ستدلّ تلك القلوب طرق الهجرة إلى سماوات تعرف لغة الماء”

هديل الحضيف رحمها الله.

في استشارات الحب كنتُ لا أبدأ الحديث بالملامة وإن كانت مُستحقة، بل بالارشاد إلى خط الرجعة، وعن القلوب التي تتفتح لأول مرة، يعتقد المنفلوطي -رحمه الله- بأن “المرأة ضعيفةٌ خائرةٌ لا تملكُ من الصّبرِ والجلَد بين أيدي النكباتِ النفسيّة التي تنزل بها ما يملك الرّجُل”، والنكبة المقصودة هنا هي “الحب” و”يا هادئ الأعصاب.. إنك ثابتٌ، وأنا على ذاتي أدور”.. فيقول المنفلوطي عن المرأة الفاضلة عندما تُحب: “خرج بها الحبُّ إلى حالةٍ أشبه بالجُنونِ والخبل، وما هي بجنونٍ ولا خبل، ولكنّها حيرةُ النّفسِ وضلالُها”، وهذه الحيرة إن لم توجه بإتجاه صحيح، تجرف صاحبتها.. إن كان المنفلوطي هنا يشير إلى ضعف المرأة، وأن كنت أوافقه فلأن إدراك المشكلة هي أول طريقة للحل، ضعف المرأة هنا نابع من (العاطفة الجياشة) والتي بدورها هي أقوى أسلحتها، إن علمت المرأة أنها ضعيفة تجاه نقطة ما، اتخذت احتياطاتها فلا تقع، أو أن تقع مع سبق الاصرار، لكن لن تلوم بعدها إلا نفسها.

عندما يُحرم الحديث عن الحب، ويُعاب الحديث عن الزواج، كيف ستتمكن المرأة من الحصول على مناعة نفسية؟ اغلب اسئلة المخطوبات تتمحور حول كيفية الاختيار، محيطهم يتحدث عن الزواج باعتباره فخ، ولا يمكنك المشاركة لأنك غير متزوجة، وجاهلة بالرجال في الوقت نفسه، وهذا فاقم من المشكلة، إذ تنظر المخطوبة للرجل باعتباره ورطة حتمية، وكل النماذج من الزيجات الآخرى المخزنة في ذاكرتها تؤكد هذه فكرة.. لا أحد يقول الحقيقة عن الزواج. كنت في مجلس والأغلبية متزوجات، عندما بدأ الحديث عن الرجال قاطعتهم وقالت لي: “جنان الزواج 80٪ حلو، 20٪ مب حلو، إحنا بنسولف عن العشرين” ضحكت أنا وهم انطلقوا في شتيمة الرجال..

‏”معارف جيتك لا غيّب الله زولها من زول/ كست حتى سنينٍ ماعليها قبلك حسوفه”

كخطوة أولى اعرفي نفسك، إن محاولات فهم النفس وإن طالت إلا أن انعكاسها على جودة حياتك رائع، تبدو بعض المتطلبات عند الخطبة (تافهة)، لأنها تميل للرومانسية أكثر من الواقع، لأنها ليست الشيء الذي ستعيشين معه، بعد أن تتعرفي على نفسك لن تكون لديك متطلبات كثيرة متطايرة، بل متطلبات واضحة مُتزنة تتأرجح بين مايمكن التخلي عنه، وما يتوجب وجوده، والأكيد أنك بكل الأحوال تتملكين نظرة قاصرة، إذ أن جزء كبير من اسباب نجاح زواجك مغيب، ولهذا كانت الاستخارة هي الخطوة الأهم.. وبعدها تأتي الاستشارة، وأنا لا أرى استشارة الجميع، لأن هذا مدعاة للتشتت، فإذا افترضنا أنك انخطبت 3 مرات متتالية (الأول طبيب، الثاني في مدينة أخرى، الثالث اكبر منك بعشر سنوات) الذي لا يرى مجال الطب سيقول توقفي، والذي لا يرى ابتعاد البنت عن أهلها سيوقفك، واللذين يرون بأن تقارب العمر مهم أيضا سيقولون لك لا، وهنا تكمن المشكلة أن الغالبية ينطلقون من رأيهم الشخصي، لا وفق ما يرون من شخصيتك.. اعرفي نفسك، وانتقي من تستشيرينهم، ولا مانع من الاستئناس بأراء اخرى..

“ليس من الصعب التعلّق بشخص متألّق، كامل و أنيق، فهذا النوع من الحب ليس سوى رد فعل تافه يولده فينا الجمال آليًا و مصادفة، أما الحب الصادق، فيجنح إلى خلق المحبوب انطلاقًا من كائن ناقص، كائن ناقص بمقدار ما هو إنساني.”

الخوف من الزواج:

وإذا العناية لاحظتك عيونها/ نم فالمخاوفُ كلهنَّ أمانُ“، فالتوكل وحسن الظن بالله لا يعني توقع حصول أشياء محبوبة فقط، بل أن نمضي عند حصول ما نكره “وإلحاح الرضا المتسائل: يارب ما شكل الخير وراء هذا الأمر؟” فالزواج يُخرج الإنسان من دائرة راحته، والخوف من التغيير/رفض الطرف المقابل هو خوف (إنساني) إلى نقطة محددة، باعتبار أنه من أرزاق الله التي غُيب جزء كبير من نتائجها، لكن توقع النتائج السيئة تُخالف اليقين، واليقين يأتي بعد تربية طويلة للنفس، وتهذيب قلقها.. لا يأتي بيوم وليلة. أما عن ماذا نفعل؟ عند حصول فرصة، ننظر لها من الزاوية الجميلة التي تساهم في خفض قلقنا، ونتأمل في ألطاف الله على عباده، لا ابتلاءاتهم فقط، وهذا يزيد قربنا من الله، و”رأيتك ربي في كل شيء/ فزاد اليقين بقلبٍ رآك“.

لا يوجد وقت صحيح للزواج، ولا رجل صحيح، يوجد ماهو مناسب، والبحث/انتظار المناسب لا يعني أن نكون أبناء الفوات البارين، ثم بعد أن تتخلى عنا الفرص، ادّعينا جمال الفوات، لذلك إن جاءت الفرصة المناسبة لا تقولوا بأن “مصير الحي يتلاقى”، عليكم أن تغتالوا المسافة، لا أن تتخذوا لها ذريعة، ثم “إكفخ بجنحان السعد لا تدرّا/ فا لعمر ما ياقاه كثر المداري”.

“جاء تشرين ياحبيبة عمري/ أحسن وقت للهوى تشرين”

أنا احسب أن جزء من اهتمام البنات بحسابي لأني وبشكل ما أعيد الحديث عن مواضيع بقدر ما تهمهم إلا أنها لا ترد في محيطهم، وقد هوجمت بسببها واتُهمت، كنت سابقا أقول ولا أُبالي، أما الآن اوقفت الاستشارات، ولا أحسب أني اعود اليها.. الأكيد أنها مضت سنين على فتح باب الاستشارات، وأحسب أن على المرء بعد مدة محددة أن يبدأ بالاعتماد على نفسه، واستخدام المعلومات المخزنة، الرجوع إليّ في كل مره يعني بالضرورة أنك حتى الآن لستِ على استعداد لاتخاذ قرارتك بنفسك، وبالمقابل تحمل تبعاتها.

ختاما:

على الغدير: وجهي ووجهك والسماء/ من يسبق ويملى يديه .. يشرب ملامح صاحبه!

نراكم على خير ❤️

الإعلان

“فأُصدق أن كل هذا تعب، مُجرَّد تعب”

اكتب الآن وأنا أمر بوعكة صحية تشبه الانفلونزا وكورونا والنزلة المعوية، لا أعرف ماهيتها حتى الآن، ولأني لا أعرف قمت بتأجيل كافة مواعيدي لهذا الأسبوع، وبقيت في المنزل. في اليوم الأول شعرتُ مرتين ولمدة 5 ثوان تقريبا بأن قلبي لفرط خفقانه يود لو يخرج، ولأن خفقات القلب تتبعها مباشرة فكرة الموت، ارتكيت على جدار غرفتي بهدوء، لأن خفقة الموت لا جدوى من الخوف منها، آتية لا محالة.

“ما لا يُقال إلا همسًا، لا الألم، بل مكانه بعد أن يزول، مكانه الذي يبقى موجعًا لشدّة ما يزول.”

في الأسبوع الماضي آلمتني روحي بعد “ليلةٍ فيها شحذت النور يسري بي وعيا”، وكنتُ طوال الأسبوع أحاول دون جدوى مداواتها، وهي تأبى، وأنا قد اعتدت على “ولا تُرينَّ الناسَ إلا تجمُلاً.. نبا بكَ دهرٌ أو جفاكَ خليلُ” بما فيهم أهلي، وانعكاس ألمي على وجهي يؤلمني، أن أكون أضعف من القدرة على إخفائه، أو انه فعلا أكبر من يخفى.

يقال بأن الألم العضوي أهون على الجسد من النفسي، ولذلك تقل مناعة الإنسان عندما يتألم، فيحاول الجسم تحويل الألم النفسي إلى المعدة أو الرأس على هيئة صداع، وأنا الآن اتساءل هل التقطت هذه الوعكة من أختي أم من ألمي؟ ربما كلاهما.

“كالأشجار، متورطٌ بالوقوف من يفهم رغبتك بأن تستريح قليلًا؟”

ولأن “موت الأب كثيف يفوق حضوره. وكأننا في غيابهم، ندرك حضورهم.” كان والدي -رحمه الله- حاضرا طوال الأسبوع، في كل مرة أكون فيها عديمة الحيل تجاه ألمي يأتي، تخيل أن امرأة على مشارف الثلاثين لم تتجاوز ألم غياب ابيها رغم مرور سنوات بقدر عمرها.. في سنواتي الأولى كنتُ أحاول دون جدوى ملء الفراغ في داخلي، لم أكن أعرف بعدم جدواه، ولعل هذا ما أفزعني في وفاة خالي عبدالله -رحمه الله- أنه كان الرجل الأول في حياتي، وكان وجوده مجرد وجوده سند هائل لي، ومنذ سنوات لا تُعد توقفت عن المحاولات، وآمنت بأن علي حمل هذا الفراغ في داخلي، وإكرامه بالصبر.

“‏أعللُ بالمُنى قلبًا عليلا .. وبالصبرِ الجميلِ وإن تمادى”

ماذا عن هبة الألم؟

إن كان للألم هبة فيجب أن تكون في المقام الأول إدراك الإنسان بأن الله هو الكبير في عليائه، أما هو فجرم صغير ولا ينطوي عليه شيء، أي شيء. ما الذي يُزيح الألم؟ “القيام بكل ما يمكن للتأكد ألا يشعر به أي أحد آخر” وأحسب أن هذا لا يتعارض مع المعتقد السائد بأن الاشتراك في البلاء يخفف من وقعه، فالأول يساهم في دوام الفضيلة فيك، والثاني يوسع دائرة صبرك.

“وحين يمر عزيزٌ عليّ، ويسأل عما خفا واستجد.. أأنت بخير؟ بقيتُ بخير”

نُربي الأمل

لطالما آمنت بأن الأمل واعتقاد أن الخير قادم لا محالة من كمال الأدب مع الله جل في علاه، أن نحسن الظن بمن وسعت رحمته كل شيء، وإن كان ظاهر الأمر فيه الألم، وإن كان ‏”اللي هقيته بيستقعد لسود الليال/ قدام عينه يضايقني الزمان وقعد”، نقف فنقول: “يارب.. ما شكل الخير وراء هذا الأمر؟”، فعين الله لا تنام، وهذه الطمأنينة إن استقرت في نفسك، “سلمته الأمر بيقين أن خيرتهُ.. خيرٌ لقلبي مما يشتهي قلبي”.

“بارقة واحدة، ليس بالضرورة من عندِ الله. إشارة يد. مجرد تلميح. حتى لو كان الإلماحُ كاذبًا. فأصدق أن كل هذا تَعبٌ، تعبٌ فقط”

*بسام حجار

كونوا بخير 🤍

بعد أن تلهو بنا الحياة: “حجةُ من لا يبلغُ الأملَ الزهدُ”

رغم أن “التأمل في الحياة يزيد أوجاع الحياة” إلا أني منذ أن دخلت عامي التاسع والعشرين وصرت على شرفات الثلاثين وأنا أتأمل بشكل مفرط أحيانا، يروع هدأة أيامي هذه رغبتي المُلحة في اتخاذ قرارت صارمة تجاه آمالي، لقد -وإن كنتُ مازلت أرعى الطفلة في داخلي- كبرتُ بما فيه الكفاية، وآمنت منذ فترة ليست قصيرة بأن الذي يدفعني للتمسك بآمالي ضعفي لا قوتي، وأن اليأس من الشجاعة، لكني لا أعرف شكل آخر استطيع به مجابهة الحياة، أشعر أن الأمل وإن كان أقسى عليَّ من اليأس فهو -بعد سعة رحمة الله- “يغتال فيّ توجسي حزني ويمنحني بريقاً..

“لو أننا ننجو يا يمامة؟ ما كان هذا الذعر يطفئ بهجة روحي، كلما حدقت في الأمل.”

  • عن الحياة المهنية:

بدأت في كتابة هذه التدوينة بعد حوار مع صديقتي هاجر عن اختياراتنا في الحياة وكون “المرء لا تشقيه إلا نفسه”، إذا أني اخترت الأمل في الوصول إلى مكانة أفضل رغم كل القيود التي تزيدني بُعدا عنها، وذلك عوضا عن أن أكون “نؤوم الضحى” مثل حبيبة امرؤ القيس ونساء آخريات في حياتي. وأنا عندما اتكلم عن “نؤوم الضحى” اتكلم بصفاته اختيارا، وليس لأحد الحق في أن يُصادر من النساء هذا الاختيار، أو يستحقره.

عملت حتى الآن مع 4 شركات خاصة ومؤسسة حكومية، في كل واحدة منها عملت بمسمى بمختلف، أي أني سبع الصنايع : ) ومازلت منفتحة على تجربة مسميات جديدة آخرى آمل من خلالها أن أجد ما تهواه نفسي، وأن يكون بوسع أسمي أخيرًا أن يضرب بجذوره في الأرض، بعد سنين التردد.

لم يكن التردد هو مأساتي.. أنا انتقائية في حياتي المهنية رغم شُح الفرص، فسبق وأن استقلت من وظيفة لأنها لا تضيف اليَّ شيء، ورفضت التقديم على وظيفة مكتبية براتب جيد، لأنها تافهة -بنظري- عبارة عن مطابقة مستندات وأشياء من هذا القبيل، واستمريت في العمل بوظيفة عادية فقط لإن الشركة ناشئة والإدارة أعطتني مساحة واسعة في اتخاذ القرارات وهذا بمرور الأيام يصقلني.. هذه هي مأساتي، ولذلك يتردد في ذهني عندما أكون في مكان مُطل على مدينتي (بريدة) الشحيحة في الفرص: “لقد هُزمت كثيرًا في هذه المدينة، وأخشى إذا ما بقيتُ فيها أن أُحب الهزيمة”.

“وهَمُّها في العُلى والمجدِ ناشئةً.. وهمُّ أترابِها في اللّهوِ واللّعِبِ”

  • عن الزواج باعتباره سنة الحياة:

كان محمد الخميس -رحمه الله- يقول: “لا تدخل عمر 35 وحيدًا، مهما تزينت لك الحياة”، وهذا للرجل، وأما المرأة فقد حدد لها المجتمع عمر 30 منذ سنين لا تُعد، رغم أنها لا تملك زمام المبادرة، وأنا وإن كنت أوافقهم بعدم جدوى (الوحدة) إلا أن العبرة ليست في أن لا تدخلها وحيدًا، بل مع من تدخلها، وأنا “‏خيروني‬⁩، وأنا نفسِي عصية وحره.. والخيارات ماحصلت فيها خياري“.

الآن مساحة الاختيار عند المرأة أوسع من قبل، ولا يملك الكل نفس السعة، إلا أن هذا الزمن دفعها إلى أن تبني صورة ذهنية للرجل الذي تحب أن تعيش معه تحت سقف واحد، وعلى هذه الصورة تُمني نفسها، فترفض هذا وتخطو خطوة لهذا.. المشكلة هنا عندما تكون الصورة أكبر مما ينبغي نظرًا لارتفاع الاستحقاق الذاتي، فتأمل أن تأخذ رجلا يصح أن يقال عنه “كفى المرء نبلا أن تُعد معايبه”، ثم يأتيها محمود درويش بعد سنوات ليرد عليها فيقول: “كم كذبنا حين قلنا نحن استثناء”، و”الفاجعة.. أن تتخلى الأشياء عنك، لأنك لم تمتلك شجاعة التخلي عنها”.. المهم في كل هذا استيعاب أن الاختيار (الصحيح) لا يُدرك بالمجهود الانساني بل هو رزق محض، وأنت كل مافي وسعك اختيار الأنسب إن وسعك إدراكه، و”أسأل الله ألا يشتت قلبًا بين ثنايا العلاقات، ولا يكتب على روح أن تُستَنفد في المحاولات، أسأل الله أن يروي ظمأكن على دفعة واحدة وليس دفعات”.

“إنَّكَ لا تَختار حين تحبّ ولا تحبُّ حين تختار، وإنَّنا مع القضاءِ والقدر حين نُولد وحين نحبّ وحين نموت، وإذْ يسألونكَ عنِ الحبّ قل: هو اندفاعُ روحٍ إلى روح، ويسألونك عن الرُّوح.. فماذا تقول؟ قل هيَ من أمرِ ربِّي”

  • عن الحب:

“إن كان للحب مزيّةٌ فهو أنه يجعل الحياة تُطاق. لهذا يستميت الناس في البحث عنه، في إحيائه مرةً بعد أخرى.”

خلال رحلة السعي في دروب الحياة، بلا استثناء كلنا نصطدم بجدران طرق خاطئة، وتمر علينا سنين عجاف تُهدد بابتلاعنا.. لذلك كان وجود الأهل والأصدقاء والحبيب مضنة النجاة، وعليه: حبو بعض ما استطعتم لذلك سبيلا.

“على الروح أن تكون مُواربة، مُتأهبة للترحيب بنشوة جديدة”

هامش: “يبدو التفاؤل أحيانا مثيرا للسخرية” وأعني هذا فعلا، فأنا أؤمن بـ “أمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى”، ولا أقول بأن الله ما أودع في صدري أمنية إلا وهو كافل تحقيقها، سبحانه ما عبدناه حق عبادته.

ختامًا:سوف تلهو بنا الحياة، وتسخر.. فتعال أحبّك اليوم أكثر” وذلك إذا كنت مثلي لم يبدو لك اليأسُ رحمة، حتى الآن..

أراكم على خير.

صباح آخر واقف بالباب: كيف نطوي أيام العطالة؟

صباح واقف بالباب”، هذا صباح آخر واقف بالباب، وأنا “أفعل ما يفعل العاطلون عن العمل، أُربي الأمل”، ولأن علاقتي مع الليل متوترة باعتباره وقت لا أستطيع أن أقطعه لوحدي، فأنا أعيش غالب أيامي على مذهب “مضناك يصلي العشاء وينام”، وأستيقظ في الساعة الرابعة فجرًا، مع العصافير وأحيانًا بعدها.. أُعد قهوتي العربية وأبدأ يومي بأمل أُجدد فيه من نفسي، رغم أني على ثقة بأنه “ليس أقسى علينا من اليأسِ إلا الأمل”، وأن المنفلوطي قد صدق عندما قال: “ولو أنك أجملت في أملك، لما غلوت في حزنك”.

الأمل رائع، ولكن من يمنحونه أجنحة أكثر مما يحتمِل، لا يعرفون أنهم بذلك يمنعونه من التّحليق.”

– ابراهيم نصر الله

في الفترة الماضية عانيتُ من الأرق، دون أن أجزم على سبب واحد يبرره، هل كانت المشقة في قلبي أم في الطريق؟ أم في “الأعوام التي توالت عام بعد عام ولم أرَ”؟ لستُ أدري.

“بين المصير وبين هم المقابيل.. يدي على قلبي وقلبي على جرف”

متى بدأت الحكاية؟

في عام 2017 أي بعد استقالتي من أول وظيفة شغلتها، وبعد أن انقضت أيام الاستمتاع بالفراغ، وجدتُ نفسي بين أربعة جدران وهواجس ما تنفك من رأسي، توجب علي حينها أن أرمي نفسي إلى شيء، أي شيء.. من هنا بدأ اهتمامي ينصب في المالية والاقتصاد بعد أن كان في الإدارة والتسويق، ومنها إلى فقه المعاملات، لاستطيع بهذا تكوين تصورات مالية/اقتصادية لا تنفك عن الشريعة الإسلامية.. لقد ساعدني -بعد عون الله لي- الوقت الوفير الذي كان بحوزتي في الوصول إلى ما أنا عليه اليوم، وهذا الامتنان رغم امتعاضي القديم من ساعات الفراغ، إذ كل ما فعلته هو الانغماس في المعرفة، ومع ذلك ما زالت بضاعتي مزجاة، إن كل يوم أعرف فيه شيء جديد، يكبر في عيني مقدار جهلي.

“تقريبا أنا لم أعد أغبط الآن أحدًا إلا الطير في توكله.”

– محمود توفيق

بعد مرور 6 أشهر من عام 2017 بدأت بوظيفة جديدة عن بعد وبنظام ساعات مرن واستمريت فيها إلى اكتوبر 2020، قالت لي مديرتي بعد أن ختمنا عملنا مع بعضنا بطلعة مسائية لأحد المقاهي: “فترة بسيطة يا جنان ثم بتروحين تدورين لك شيء، ماراح تعرفين تقعدين فاضية” وهذا ماحدث.. إذ أني بعد استقالتي انغمست في دورة التأهيل الفقهي، وبعد اجتيازها وحصولي على الإجازة شعرت بأني تأهلت للفتياء إلا قليلا :p

الآن قاربت على إتمام عام من استقالتي، ورغم أن مديرتي في أخر يوم قد أهدتني سلسال (المرأة الخارقة) إلا أني لا أعرف هل اختيارها جاء بناء على اعتقادها بأني امرأة قوية فعلا، أم جاء ليذكرني بأن علي أن أبدو قوية وإن “استفاضت من عيوني صرختي”؟ أنا اخترت الاثنين معًا.

قيل لابن عباس رضي الله عنه كيف أصبتَ هذا العلم؟ قال: “بلسانٍ سؤولٍ، وقلبٍ عقُول”

في أيام الجامعة قالت لي أستاذة: “أنتِ عنيدة” لأني لا أكف عن طرح الأسئلة، والاعتراض أحيانًا على ما تؤمن هي به، رغم أني وقتها لم يكن لدي من العلم مايدفعني للاعتراض، فقط أنا (أحس لا).. كنت ومازلت مؤمنة بتأثير الأساتذة خلال أي رحلة تعليمية، وأن التعلم الذاتي لوحده لا يفي بالغرض، الحوارات تصقل المعلومة في ذهنك، وتساعدك في دراستها على نحو أوسع مما لو كنت وحدك.. سعيتُ في السنوات الأخيرة إلى معرفة المبدعين في مجالي وفي مجال فقه المعاملات، أحب فكرة أن أكون محاطة بأشخاص أفضل مني، هذا يحفزني في كل مرة إلى نهل المزيد من العلم، ثم إن الاسترشاد برأي أشخاص محددين، يقلل من عملية التشتت التي تصاحب دخولك في بحر معرفة واسع، ففي كل مرة تجد نفسك في حيرة، فأنت تعود إلى دليلك ليُرشدك، من باب أن المرء قوي بإخوانه لا بنفسه.

حتى اليوم مر علي -ولله الحمد- أشخاص آمنوا بي، وهم “لا عيب في معروفهم غير أنهُ.. يُبين عجز الشاكرين عن الشُكرِ”.. وكم دفعني هذا الايمان الى المزيد من الجهد، وكم أرتكيتُ عليه في كل مره حاول أحد ما هز ثقتي بنفسي أو بقدرتي.

“إن الشريك الدائم لنجاحاتك ليس من علّمك، بل من راهن على عقلك، وأيقظ جسارتك في حين كنتَ حائرًا ومتوجسًا في مراحلك الأولى.”

– أروى الفهد

وعن فائدة وجود أساتذة/مُرشدين أقول: في آخر سنتين عرفتُ أن (الاستفزاز) أحد أهم عمليات التعلم، لكن هذه العملية تحتاج إلى مُرشد يستفز ذكائك الخامل، قيل لي: “الربا مفيد” وأنا منذ سنتين أبحث لأثبت بأنه لا يمكن الجزم بفائدة الربا مطلقًا، فنفع المعاملة المالية يأتي على وجهين: إما جزئي للطرفين أو كلي للمجتمع، أو الاثنين معا، والربا عادة يغلب فيه نفع واحد على آخر، والاسلام في معاملاته يرفض أن تغلب منفعة على أخرى، والحديث في هذا يطول..

قبل الختام: أستطيع أن أجزم بأن المعرفة هي أفضل ما ترمي إليه نفسك في حال كنت عاطلا عن العمل، ولأن قرارتك في الحياة وحتى المصيرية منها ستستند وإن لم تشعر إلى حصيلتك من المعرفة والإدراك، فالفهم سيكون خطوتك الأولى لرفع جودة حياتك وعلاقاتك الإنسانية.

ختامًا:

“قد تُصبح سنواتك الكارثيةفيما بعدحال التأمل فيها أجمل سنواتك. ذلك أنها تضطرك غالبًا إلى أخذ منعطفاتٍ جديدة ماكنت لتسبرها لولا هذه النائبة.”

– بنان

أراكم على خير ❤️

التأتأة: عُقد الطفولة كمادة للسخرية

بعد البسملة:

سنظلُّ نرسم ضحكة الأطفالِ.. حتى يضحكَ الأطفالُ‏ ❤️

في طفولتي كنتُ أعاني من التأتأة، وعادتي في الحديث وكأن الكلمات تتسابق من فمي، زادت من حدة التأتأة، كانت تلزمني (الركادة) لتجنب أكثر عدد من الكلمات المترددة. وكان لدي أستاذة وأشخاص من محيطي، قد أخذوني كمادة للسخرية. مازلتُ لا أفهم كيف يكون بوسع أستاذة أن تجرح طفلة أمام جميع زميلاتها دون أن يحرك هذا في ضميرها أي شيء. أنا التي عندما سمعت اسمها قبل سنوات، سرت في جسمي قشعريرة تُنبئنا عن ما خلفته فيّ هذه العقدة القديمة، عفى الله عنها. أما الذين كان تكرار كلماتي من بعدي، أحد مُتعهم الخاصة، لم استطع نسيانهم، ففي كل مرة يفتخرون بها بإنجازاتي، يجيء ببالي أنه كان بوسعهم تدمير مسيرتي التعليمية، لولا سعة لطف الله، ثم ايمان أمي بي. امي التي سعت للإمساك بي من كلتا يدي، لتتعثر الكلمات في فمي، لا أن تتعثر قدمي، وكم يبدو الامساك بطفلة يتيمة مندفعة ومتوجسة أمر مرهق.. وهذا ما دفعني مرة لكتابة رسالة بلسان أبي -رحمه الله- الى أمي: “السلام على أُمكِ، وعلى كل الأيام التي اضطرت أن تكون فيها أم وأب في آنٍ واحد.

يأتي إليك المستجير ماشيًا.. وأنتَ يا ذا الجود تأتي هرولة

بدأت رحلة التعافي في الصف الرابع. كنت ولله الحمد طالبة متفوقة، وطلبت مني الأستاذة “فوزية المندرج” الخروج في الإذاعة ورفضت لعلمي بما قد يبعثه العدد الكبير في نفسي من خيفة، تفهمت أستاذة فوزية خوفي واخرجتني في الإذاعة لتقديم أنشودة مع زميلة لي، لم يكن لي دور فعلي، كنت فقط أردد معها الكلمات، لكن كان المكسب هو خروجي لأول مره أمام الآخرين متجاهلة كل الأفكار السيئة التي عشتُ معها في الصف الثاني والثالث.

في الصف الرابع ايضا تركت أمي مهمة متابعة دروسي، لأنه يجب أن اعتمد على نفسي، ومن يومها جربت الوقوف أخر الصف بسبب نسيان واجب أو دفتر، جربتُ الدخول في مشاكل والخروج منها دون الاستعانة بأحد، السقوط ثم الوقوف.. لأن أمي تعتقد بأن التدخل بمشاكل ابنتها سيجعلها شخصية اتكالية أو انه سيزيد من أخطائها لوجود من يلملمها من بعدها، وقد كنتُ منذ البداية لا أحب البكاء والشكوى، ووصلت الى هذا العمر ولدي الكثير من الأشياء التي دخلتها وخرجتُ منها ولم يعلم بها أحد، مما دفع أمي لتقول لي مرة: “ليت من عرف أيش فيه داخل هالرأس” تقصدُ رأسي، يبدو أني صرتُ مستقلة أكثر مما توقعته أمي.

ولأن “إنما العلم بالتعلم”، خرجتُ بعدها في الإذاعة بأدوار صغيرة، ومع مرور الأيام والسنوات تجاوزتُ التأتأة، حتى صرتُ في الثانوية المسؤولة عن الإذاعة وتقديم الأنشطة، وفي الجامعة كنت أقدم العروض التقديمية وأخرج في المنتديات الإدارية. نعم حسبتُ يومها أني تغلبت وأخيرًا على تعثر كلماتي، لم أعتقد ولو ليوم واحد أن التجاوز لا يعني بالضرورة أن هذه العقدة لم تترك في روحي أثر اتذكرها به غدًا.

لكَ الحمدُ لا أحصي الجميل، ولم أزل .. أنا العاجز المحتار عن مبلغ الشكر 

في المستوى الأخير من الجامعة، اصابني التهاب في فمي وتحديدًا لساني، مما جعل مخارج الحروف عندي تضطرب، وكنت أدرس وقتها مقرر اقتصادي “جدوى المشروعات” مع دكتورة فلسطينية.. كان علينا تقديم وعرض المشروع في أسبوع اصابتي، ذهبت اليها وشرحت لها أني أعاني من مشكلة صحية، قالت: “مافيك شيء، أنا فهمت كلامك، بتقدرين تشرحين مشروعك”، ورفضت الدكتورة أي محاولة مني للاعتراض، لأنها تعتقد بأني قد كبرتُ المشكلة في رأسي، أكثر مما هي عليه في الواقع، وقد كانت مُحقة.

وقتها لم تكن المشكلة الحقيقية في مخارج الحروف عندي، بل في أن هذا الخلل البسيط قد هوى بي الى أيام طفولتي، شرعتُ أبوابي للقلق القديم، مما دفعني للاعتذار عن تقديم مشروعي، وبهذا تكون الأستاذة نادية هي الأستاذة الثانية في حياتي التي تدفعني للإمام بينما كنتُ اتراجع.. جزاهم الله عني خير الجزاء.

هل أنا أعتقد بأن التأتأة مشكلة ثقة؟ لأ. أعتقد بأن الأمر مرتبط بالظروف المحيطة، وطبيعة شخصية المرء، وبعض الصفات التي تُساعد في التجاوز. وهذا يبرر كيف أننا نجد أشخاص لم يتخلصوا منها، رغم ثقتهم بأنفسهم، وآخرين تخلصوا منها لا لفرط ثقة عندهم، انما لسبب لا نعلمه، الأمر مُغيب بالنسبة لي.

القلبُ غِمدُ الذكرياتِ، مَنِ الذي .. أفضى لسيفٍ في الضلوعِ، وسَلّه!

رزقنا الله وإياكم الحياة السعيدة والطيبة.

جنان كانت هنا ❤️

بين العمل والحياة: كيف حاولت ابتلاع الفترة الماضية؟

مساكم/صبحكم الله بما يسركم، وكف عنكم مايضركم 💛

في بداية عام 2020 حصلت على فرصة وظيفية في الكلية التقنية للفصل الدراسي المنصرم، كانت الفرصة أن أكون “مُدربة” في قسم التقنية الإدارية، وأعتقد أن مايقابل وظيفة مدربة، هي وظيفة “معيدة” في الجامعة. كنت وقتها أعمل عن بُعد في القطاع الخاص، مع شركة ناشئة منذ عام 2017.. ورأيت أن الاستقالة من وظيفتي الحالية لا تُجدي لأن وظيفتي الجديدة مؤقتة تنتهي بإنتهاء الفصل الدراسي، وعليه أخذت إجازة من الشركة لمدة اسبوعين فقط من بداية التدريس، لتنظيم أموري، والعودة لاحقا.

طلبت الإجازة من العزيزة نوف، وقالت بعدما رأت صورة لمكتب الأستاذة: “أجمل مكتب أستاذة، أفكر بطالباتك ياسعدهم والله” ولذلك أعتقد بأني حظيت بواحدة من أفضل إدارات القطاع الخاص. وللسبب نفسه، كنتُ أسهر أحيانًا فقط لأن نوف طلبت مني إنجاز مهمة ما، أنا التي أعيش على مذهب “مضناك يصلي العشاء وينام” يبدو السهر بالنسبة لي، نوعا من الانجاز أو التضحية، أو كلاهما معا.

كانت الأمور تحت السيطرة بشكل كامل، في الصباح الأستاذة جنان، وفي المساء الموظفة المكروفة جنان، وحتى لحظة تعليق الدراسة، لتُصبح هي الأخرى عن بُعد! عملين عن بُعد.. الجديرُ بالذكر أن الشركة التي أعمل بها، كان “كورونا” مصدر رزق لها، فتراكم العمل فوق بعضه فجأة، في عدد قياسي من الساعات، حتى أنني وقفت أتأمل هذا الكم الهائل من المهام التي أصبحت وكأنها سقطت من السماء. أتأمل وتخنقني العبرة: كيف يمكن إنجاز كل هذا؟

والأكيد أني استعنت بموظفات جُدد لتجاوز الأزمة بأقل قدر من التأخير.

وفي العمل عن بعد، يعتقد -ببالغ الأسى- أغلب أرباب العمل، أن جُل وقت موظفيه متاح له. وفي حالتي، فحتى المتدربات يعتقدن بأن علي أن أكون متوفرة 24 ساعة، أن أرد على كل سؤال، عوضا عن بحثها هي عن الإجابة! ولأن “الرزق يبي تحريث أقدام” رتبتُ أمري مع كلا العملين، وكانت ضريبته التقصير الذي حصل في حياتي الشخصية والإجتماعية، تقصير مؤقت بطبيعة الحال، لكنه اضطرني لتقديم اعتذار لكل واحدة عبت عليها يوما أن طموحها كان “تتزوج واحد غني وتصير ربة منزل” بل أقول: “صح عليك، واطبخي وصوري بالسناب بعد”، ويمكن اعتباره اعتذار من الاعتذرات التي يمحوها النهار، لأني شخص لا يُحب البقاء بدون عمل، ربما خوفا من أن تأكل الهواجس رأسي، لكن بشكل عام: مهم أن تعرف ماذا تريد، بغض النظر عن رأينا فيما تريد، وطالما أن الأمر مباح فـ “كلن ينام على الجنب اللي يريحه

“وَوالٍ كفاها كُل شيء يَهمُها.. فليست لشيء آخِرَ الليلِ تسهرُ”

المرة الأخيرة التي تعرضت فيها لمثل هذا الضغط كانت سنتي الاخيرة في الجامعة، فكانت هذه التجربة استعادة للياقتي، وأنا الآن أعتقد بأني اصبحت قادرة من جديد على تحديد ومعرفة مدى احتمالي للضغط، فرأيت مني مارأيت، تعلمت من هذه الفوضى ماتعلمت، وهذا جيد لتحديد وجهة الفترة القادمة بإذن الله.

ومع زيادة ضغط العمل في الشركة، وقرب الاختبارات النهائية في الكلية، كان علي أن اختار أفضل وسيلة تقييم لي وللمتدربات، وأعرفُ عن نفسي كراهية المماطلة، والتأجيل للحظة الأخيرة، وحب الاستعداد لمواجهة اي مفاجأة. فاخترت أن تكون الاختبارات النهائية على نماذج قوقل و “open book” ومدته يوم كامل، والتصحيح تلقائي من النماذج نفسها، وجهزت اسئلة الاختبارات قبل مواعيدها بأكثر من أسبوع. كنتُ أحسب وقتها أن الله وفقني لهذا الاختيار لأستطيع التوفيق بين أعمالي، ولكنه سبحانه صاحب اللطف الخفي. كان عندي مادتين، ومواعيد الاختبارات كالتالي: 30 شعبان و 2 رمضان، وقد استقبلت خبر وفاة خالي عبدالله ظهيرة يوم 29 شعبان، ووفاة جدتي أمي نورة كانت صباح يوم 2 رمضان، عليهم رحمة الله. لو أني ما اخترت هذه الوسيلة، لا أعرف ما كان سيحدث!

متدربة عندي تتابع حسابي في تويتر، أخبرت زميلاتها عن وفاة خالي، وعرضوا علي تأجيل الاختبار، لكن رفضت التأجيل، لأن الاختبار جاهز بالفعل، وليس علي سوى متابعة تأديتهم للاختبار، ولأن متدرباتي تأملوا بأن ننتهي من الاختبارات في بداية شهر رمضان، ومأساتي ليس لهم ذنب فيها. نعم كنتُ الأستاذة التي اعتمدت اختبار متدرباتها من هنا، ثم رمت بنفسها من هنا لتغرق في بكاء طويل..

“وَأُخَفِّضُ الزَفرات وَهيَ صَواعِدٌ.. وَأُكَفكِفُ العَبرات وَهيَ جَواري”

في مساء يوم 2 رمضان، كنت أجلس أمام أمي وخالاتي وخالي، اتأملهم بقلب حزين منقبض من جهة، وأعدُ أسماء متدرباتي الحاضرات للاختبار من جهة اخرى. أما نوف فعرضت علي إجازة مفتوحة، لحين أن أسترد نفسي. رغم كل مامررت به، إلا أن نوف ومتدرباتي والزميلات في تويتر والانستقرام، الذين لم تكن تربطهم بي علاقة شخصية، كانوا بلسم لروحي في هذه المرحلة، فجزاهم الله عني خير الجزاء.

يسهل علينا الايمان بشيء، والتجربة تُصدقه أو تُكذبه. مثلا، تقول أحلام مستغانمي: “إن راحة القلب في العمل” وكنتُ أحسب أنها عبارة صحيحة، حتى جاء شهر رمضان.

حاولت بعد انتهاء اختبارات متدرباتي وأيام العزاء، أي بعد يوم 5 رمضان، أن أرمي بكل ثُقلي على عملي، لكني ما استطعت! عندما يقول لي أحد العملاء: “أنتم شركة ***” أعتذر منه بقولي “عزيزنا” ثم أرمي برأسي على لوحة المفاتيح، لأنه لم تعد لي أي سُلطة على دموعي التي صارت تنهمر بدون سابق انذار،  دموعي التي حبستها في أيام العزاء، لأنه على أحد منا أن يبتسم ويضحك، لندفع هذه الأيام.. وبعد انتهاء العزاء “بانَ كِذبُ ادِعائي أنَّني جَلِد”

ماذا أقول لأحلام بعد هذه التجربة؟ “لو كان قلبي رمادًا كنتُ أنثُرُهُ.. لكنني كلَّما أخمدتهُ.. اشتعلا

“إنَّ المصائبَ طوعًا أو كراهيةً.. أعدن نحتي، كما أبدعنَ تلويني”

كانت ستكون تدوينة سعيدة ومكروفة، إلا أن مسارها انحرف، مثلما انحرف مسار 2020 عن ما كنا نأمل،  وهذه سنة الحياة، “طُبعتْ على كدرٍ وأنت تريدها.. صفوًا من الأقذاء والأكدار” نسأل الله أن يجبر كسرنا، ويرفع ما بنا عاجلا غير آجل.

ختاما: “أنا مدينة للقهوة علمتني كيف ابتلع الحياة

أراكم على خير ❤️

هل أثرت الموضة على عاطفة المُستهلك؟

Fashions fade, style is eternal

 

“مفهوم الموضة يتجسد في أنك تستطيع إلقاء الاشياء ليس لانها غير قابلة للاستخدام، بل لانها فقدت قيمتها الاجتماعية” ـ جوليت سكور

لقد تكاثرت الاسئلة في رأسي حول الموضة منذ اللحظة التي قرأت فيها سؤال لشخص يهتم بـ”التجرد” وبمعنى آخر يهتم بفكرة التخلي عن الأشياء مثل الملابس الزائدة، وضرورة أن تكون مستعدًا لهذا التخلي. يقول في سؤاله: هل بدأ الناس يدركون انه ربما تم خداعهم؟

إن الاجابة على هذا السؤال تحتاج إدراك كامل. المشكلة الاولى مثلا الالوان، الاشكال، وحتى الطريقة التي نلبس فيها، كلها أشياء خاضعة لسيطرة الموضة. ربما نعتقد ولوهلة ما بأننا لم نتأثر بالموضة، ونجد أنفسنا صدفة نرتدي اللون الاصفر، الذي كان هو “الهبة” السابقة، واشتريناه لا لأنه الموضة، ولا لأنه يناسب لون بشراتنا، وانما لأننا رأيناه بشكل متكرر، مما أدى الى اقناعنا به، فنحن تزيد ثقتنا بالشيء، كلما زاد اعتقادنا بأنه اكثر شعبية. ومع ذلك فعندما سألت في حسابي بتويتر عن هل أنتم تتأثرون بالموضة؟ الاغلبية أجابت بـ”لا”، وأجابوا بـ”لا” ايضا عندما سألت عن تأثير الموضة السلبي على معدل انفاقك السنوي! داماسيو يقول: “نحن أكثر عرضة للتأثر فقط عندما نكون مدركين على نحو مبهم غير واضح أن عواطفنا يتم التأثير عليها، ويزداد تعرضنا للتأثر عندما لا يكون لدينا أي فكرة أن تأثيرًا ما يُمارس على عواطفنا.” لذلك فإننا بزيادة وعينا وانتباهنا لكل الاشياء التي يمكن أن تؤثر علينا، نستطيع أن نقلل من احتمالية تأثيرها علينا.

إن افضل لون في العالم كله هو الذي يبدو جيدًا عليك. ـ كوكو شانيل

المشكلة الثانية التي نواجهها في محاولة فهم الوعي حسب رأي روبرت هيث هي أنه بمجرد أن تسأل شخصًا ما عما يُفكر فيه، يمكنك تغيير مايُفكر فيه. وأقول أنا: عند السؤال كأننا نلفت انتباه الشخص لشيء ما، لم يسبق له أن فكر فيه.

الآن وبعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، اصبح الجميع يتحدث الموضة، فنحن معرضون للموضة ومحاطون بها بإستمرار، وهي متغيرة بشكل مستمر، مما يشكل ضغط هائل على أنفسنا، فعند ارتدائك لقطعة من موضة العام الماضي، فإحتمالية أن يخبرك شخص ما بأن هذه “الهبة” انتهت قد ارتفعت، مع الاسف.

الموضة السريعة مصطلح معاصر يستخدم في تجارة التجزئة للأزياء للتعبير عن التصاميم التي تنتقل من منصة عرض الأزياء مباشرة لتواكب اتجاهات الموضة الحالية. وتعتمد مجموعات أزياء الموضة السريعة على أحدث صيحات الموضة المعروضة في أسبوع الموضة في كل من موسمي الربيع والخريف من كل عام. تركز الموضة السريعة على تحسين جوانب معينة من توريد هذه الصيحات بحيث يتم تصميمها وتصنيعها بسرعة وبتكلفة زهيدة تسمح للمستهلك العادي بشراء آخر صيحات الموضة بأقل سعر.

الآن لم تعد الموضة حكرًا للدور العالمية، شانيل مثلا. فسياسة الموضة السريعة التي تبنتها علامات تجارية متوسطة مثل زارا، جعلت الموضة العالمية متاحة في أيدي الجميع وبأسعار متفاوتة، وحسب وصفهم بهذه الطريقة اصبح الترف سهل المنال. وبالتالي زيادة معدل استهلاك الفرد السنوي للأزياء. لانها  -هذه الموضة- بكل مره تشعرك بأن خزانة ملابسك اصبحت “دقة قديمة” ومهما بلغ الانسان من القوة، ووضع بينه وبين المؤثرات الخارجية حواجز، فإن الموضة اشبه ماتكون بالاعلانات، لها تأثيرها الخفي نظرًا لكثرة تعرضنا لها.

المهتمين بالبيئة مثلا يعارضون “الموضة” لكونها السبب الثاني لتلوث الكرة الأرضية بعد النفط، بسبب الكم الهائل من الملابس التي تضطر الشركات للتخلص منها، بالحرق غالبًا. والكم الهائل من الملابس التي يرميها المستهلك في القمامة، إن لم يعطها لأشخاص يحتاجونها.

“في قرارة أنفسنا نحن لا نريد شراء المزيد من الأشياء الجيدة، نريد ماسوف تجلبهُ لنا. أنه الشعور بالكمال، والرضا” ـ د. ريك هنسون – طب نفسي

لستُ معارضة بشكل كامل للموضة، ولكن أُعارض الانسياق ورى هذه الموجة بدون وعي وتفكير. على سبيل المثال: انتشرت في السنوات الاخيرة موضة لا يحضرني اسمها، عبارة عن الطريقة التي تستطيع المرأة من خلالها أن تلبس العديد من المجوهرات في مناسبة واحدة، العديد من الاساور في يد واحدة، لن أقول بأني أرى هذه الموضة مبتذلة قليلا إن اُستخدمت بإفراط، لكن سأقول كما قالت كوكو شانيل مرة: “لم يتم صنع المجوهرات لإعطاء المرأة هالة من الثروة، انما لجعلها جميلة” والجمال نسبي.

قبل الختام: هل أثرت الموضة فعلا على عاطفة المُستهلك؟

ختامًا:

الموضة تتلاشى، والاناقة أبدية. ـ ايف سان لوران

أوقات طيبة ..

هامش:

كتاب “إغواء العقل الباطن: سيكولوجية التأثير العاطفي في الدعاية والإعلان” مدرسة في الاعلانات وتأثيرها، في حال رغبتم بالقراءة، رابط التحميل من مكتبة هنداوي: هنا

مستحضرات التجميل: هل علي أن أبدو كشخص آخر؟

 

اناقة القلب

في فترة ما، انجرفت ورى اعلانات مستحضرات التجميل، واصبح لدي العديد والعديد من المنتجات التي استخدمها والتي لا استخدمها وانما اشتريتها لاني شعرت بأنه يجب علي ذلك. قبل سنة من الآن بدأتُ السعي للتقليل، وقبل أن اتخلص من الكم الهائل الذي لدي، كانت تراودني اسئلة مثل: “لماذا علي أن أسعى للكمال؟” و “لماذا علي أن أبدو كشخص آخر أشد نحافة وأوسع عينًا وأطول انفا و.. و.. و” وكان أكثر مايثير استغرابي هو الاستخدام الزائد لـ “الكنتور” والذي تقول اعلاناته بأنه يسعى لاخفاء عيوب الوجه وابراز جماله، لكنه في الحقيقة وعند استخدامه يستطيع أن يظهرك كشخص آخر. صديقة لي، في ليلة زواجها وبعد أن أزالت مكياج وجهها، قال لها زوجها: “اللحين صرتي أنتِ” تقول بأنها شعرت بالسوء لانها أفرطت لهذه الدرجة. أنا حاليًا لدي فقط مايقارب 12 منتج، انها الطمأنينة التي يصل اليها المرء بعدما يصل الى قناعة بأنه ليس عليه أن يبدو كشخص آخر، ولا كشخص كامل، كن أنت.

بعض الأشياء تبدو هامة بنظر الناس و السبب أن المجتمع والمؤسسسات التربوية وأصحاب شركات الاعلان قد غسلوا أدمغة هؤلاء الناس ليجعلوهم يؤمنون بأن هذه الأشياء مهمة .. لو أمعنا النظر لوجدنا أن لا علاقة البتة لهذه الأشياء بالعيش في نمط حياة سعيد و صحي.

– ايرني زيلنسكي

الهدف الاول من اعلانات مستحضرات التجميل ليس شراء المرأة للمنتج، فـ بمجرد مشاهدتها للإعلان ستتكون لديها تلقائيا احتمالية الشراء، فـ الهدف الاول هو احساس المرأة بوجود مشكلة/حاجة، ولذلك دائما ماتكون عارضات اعلانات التجميل بمواصفات خاصة لخلق احتياج مُلح لهذا المنتج. فمجرد خلق هذا الاحتياج يضمن لهم استمرار المرأة بشراء هذا المنتج. إن هذه الاعلانات تخلق شعور سيء في المرأة لانها تُظهر لها أوجه القصور في مظهرها، أو ما أردوا لنا أن نراهُ قصورا.

الاعلان الحديث يسعى لخلق احتياجات وليس الى تحقيقها.

– كريستوفر لاش

اعلانات مستحضرات التجميل الآن حولت جميع المنتجات الى منتجات أساسية، رغم أنها ليس كذلك، لكن كثرة تكرار هذا الاعلانات جعلت كل هذه المنتجات بتعدد استخداماتها ضرورية لكل امرأة لانها تحل لها جميع المشاكل الناشئة من التعرض المستمر للاعلانات.

وحتى لا نظلم هذه المستحضرات الجديدة، فبعضها أنقذنا فعلا، مثلا “cc\bb creem” يقدم لك تغطية خفيفة، وهذا خيار جيد بالنسبة للذين يفضلون دائما الظهور بمظهر بسيط ولطيف. لذلك على المرأة أن تنتقي احتياجها بذكاء، وبعيدا عن العاطفة قدر المستطاع.

القوة المميزة لصناعة الاعلان، تكمن في قدرتها على تحويل الاشياء العادية، الى أشياء مرغوبة.

ـ ديبرا ترامبي

في التدوينة السابقة تحدثنا عن سؤال “هل رسمت الاعلانات صورة نمطية للمرأة؟” فـ تقول مسؤولة في وكالة دعاية وإعلان: “نقضي 6 ساعات لتنقيح فديو من 90 ثانية” إن كلمة فوتوشوب ليست مُزحة تطلق على أي شيء نراهُ غير واقعي، إنها واقع بحد ذاته، فالصور التي نراها لا تشبه الصور التي التقطتها الكاميرا، ولذلك جاء سؤال آخر: “ما الذي يتم فعله في الصور من التقاطة الكاميرا والى وقت عرضها على الجمهور؟” حتى أن فوتوشوب بحد ذاتها تركز في تقديم نفسها على الطريقة التي تستطيع من خلالها جعلك تبدو كشخص مثالي. لقراءة التدوينة السابقة (هنا)

إن المشكلة الاساسية في هذه الاعلانات هي ربطها الكمال في المظهر بالعلاقات الانسانية، كأن تقوم بإيصال رسالة بأن الحصول على شريك حياة أو حُب يرتبط بالمظهر الخارجي، وهذه فكرة مغلوطة، فحتى جمال المظهر الخارجي نسبي، بمعنى تختلف رؤية الناس له، وتقديرهم اياه. نعم على المرأة أن تكون مهندمة وأن ترُاعي ذلك، ولكن ليس عليها أن تتكلف مالا تُطيق. يقول الشاعر لينسف جميع الافكار التي ترسلها الاعلانات الينا بطريقة غير مباشرة:

وما الحب عن حسن ولا عن ملاحة.. ولكنه شيء به الروح تُكلفُ

اما مصطفى صادق الرافعي يقول عن سمو الحب في كتابه وحي القلم:

ولو أحببت الأنثى لوجدتك في كل أنثى، ولكني أحب ما فيك أنت بخاصتك، وهو الذي لا أعرفه ولا أنت تعرفينه، هو معناك يا سلامة لا شخصك.

أوقات طيبة ..

هل رسمت الاعلانات صورة نمطية للمرأة؟

ModernDanceShowcase (1)

لقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص على اغراقنا بالاعلانات، التي تخلق نمط حياة محدد، مثالي نوعا ما، وتُقنعنا بإمكانية تحقيقه، هذه الصورة تؤدي بدورها الى تقليل احترامك لذاتك، وبالتالي انفاق المزيد من الأموال من أجل الوصول الى الصورة النمطية التي تعتقد أنت وبشكل خاطئ أنها الصورة الصحيحة.

لذلك من الضروري أن نسأل أنفسنا: هل تُصنف الاعلانات “عُنف ضد المرأة“؟ من خلال ترويجها لبعض الافكار مثل النحافة ومعايير الجمال المثالية، وذلك في الافلام، المسلسلات، الاعلانات القصيرة، الفاشنستا، المشاهير..

الاعلانات لا تروج لمنتجات وخدمات فقط، بل تروج كذلك لقيم وصور ومفاهيم عن الحب والحياة والنجاح، كما أنها تسهم في توجيهنا داخلياً لما علينا أن نعتبره “طبيعي” و”عادي”، وتحاول أن تقول لنا “نعم، كونوا هذا الشخص” و ” لا، لا تكونوا هذا الشخص”

تقول مسؤولة في وكالة دعاية وإعلان: “نقضي 6 ساعات لتنقيح فديو من 90 ثانية” إن كلمة فوتوشوب ليست مُزحة تطلق على أي شيء نراهُ غير واقعي، إنها واقع بحد ذاته، فالصور التي نراها لا تشبه الصور التي التقطتها الكاميرا، ولذلك جاء سؤال آخر: “ما الذي يتم فعله في الصور من التقاطة الكاميرا والى وقت عرضها على الجمهور؟” حتى أن فوتوشوب بحد ذاتها تركز في تقديم نفسها على الطريقة التي تستطيع من خلالها جعلك تبدو كشخص مثالي.

الهدف من الاعلانات: اختلاق المستهلكين. فتقضي وقتك وجهدك بمحاولة الحصول على هذه الأشياء التي لا تريدها ولا تحتاجها، والتي ربما سترميها لاحقا، إعلانًا تلفزيونيا عن سيارة مثلا، سيكون بالتعاون مع نجم أو ممثل، وتقوم السيارة بعمل جنوني كالقفز من جبل، والهدف من هذا خلق مستهلكين غير مطلعين، وبالتالي سيتخذون اختيارات غير عاقلة، وهذا ماعليه الإعلان بالأساس، وهذا يتعارض مع تعريف الأسواق التي يفترض أن تقوم على “مستهلكين مطلعين يتخذون اختيارات عاقلة”

_ نعوم تشومسكي

يأتي سؤال: كيف ينظر مؤلفي الإعلانات اليك كمستهلك؟

روبرت هيث يُجيب: “فاتر الشعور وغبي نوعًا ما. تُدس اليك المعلومات عن طريق الاساليب النفسية التي تدمر دفاعك كمستهلك” كيف نردُ عليهم نحن كمستهلكين؟ عن طريق مايسمى بـ”الحجة المضادة” وهي كالتالي: “كلما فكرت أكثر في الادعاء الذي يطرحه الإعلان، سهل عليك معارضته

روبرت هيث يقول وفق دراسات عديدة، أن الاعلانات التي لا نلقي لها بالاً (مستوى تركيز اقل) هي التي تؤثر فينا أكثر. على سبيل المثال: اعلانات السناب ..

الفاشنستا مثلا، عندما بحثت عن أصل الكلمة صارت تُعتبر “نمط حياة” أما بالنسبة لي فأراها أقرب لفتاة الاعلان منها الى نمط حياة. الفاشنستا، والأمر يشمل بعض مشاهير وسائل التواصل من غير الفاشنستا، قد تم التعاقد مع بعضهم من قبل علامات تجارية، بعضها يظهر لنا وبعضها يغيب تحت مسمى “الاعلان الغير مباشر”، حتى وإن لم يكن بينهم وبين أي علامة تجارية عقد تعاون، فقد اصبحوا بشكل أو بأخر عبارة عن واجهة لهذه العلامات التجارية، فـ بوعي أو بدونه، أصبحوا يقومون بعمل دعاية/اعلان لعلامات مختلفة، بمجرد انفاقهم لبعض مالهم، ونحن أصبحنا بوعي أو بدونه، مجرد مستهلكين. هكذا ببساطة.

من ناحية الدفع :  فالإعلان مدفوع القيمة بينما الدعاية غير مدفوعة القيمة. من ناحية التحكم:  فالإعلان يمكن التحكم به في أي موقع نريد وماذا نريد أن نقول. من ناحية المصداقية: فالجمهور يصدق الدعاية أكثر من الإعلان لأنه عندما يتحدث الشخص عن نفسه فالناس قد لا يصدقونه.

ـ عبيد العبدلي

إن الرؤية المتكررة للاعلانات وللأشخاص الذين يحاولون الظهور بشكل مثالي، أو تحاول الشركات إظهارهم بهذا الشكل، يؤدي بدوره الى رسم صورة نمطية مثالية، تخلق للانسان عُقد لم يكن على علم بها، أو لم يكن يراها سابقا كعُقدة. أنها تصرفات مدروسة، تُعطي إشارة مبطنة بأن هذا مايجب أن تكون عليه، ملابس من علامات تجارية عالمية، بشرة مثالية، نحافة، شعر حيوي وكثيف، وفي هذه الحالة يوجد بُعدين مؤثرين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

عن بعض العُقد يقول الدكتور أحمد العيسى: “طلب توحيد لون الجسم -لغير مرضى البهاق- طلب عاطفي” كما أن أغلب الحيل الموجودة في العيادات لتوحيد لون الجسم انما هي تجميلية لا أساس طبي لها، وبعضها له تبعات على المدى الطويل. ولأنه طلب عاطفي بشكل بحت، فالأغلبية التي تسعى وراءه تغفل عن عدة عوامل مؤثرة في عدم توحد لون الجسم، على سبيل المثال: الوراثة وهي في المقام الأول، الطبيعة الجغرافية للمنطقة الموجود فيها. حتى أن بعض المشاكل التي خُلقت في رؤسنا بموثر ما، لا يراها الطب مشكلة، حتى أنه يكره العبث بها، مثال: اسمرار المفاصل وماحول الاظافر، الهالات السوداء، مسام البشرة، التشققات، السلولايت.. الدكتور احمد ركز على أن “القناعة والرضا” هي الحل.

في دراسة للباحثة ان بيكر، وجدت أنه وبعد وصول التلفاز إلى جمهورية جزر فيجي، بدأت أعداد كبيرة من الفتيات هناك يعانين من صعوبات وأمراض تتعلق بتناول الطعام  مثل مرض فقدان الشهية العصابي (Anorexia) وبوتيرة متسارعة! كل هذا الكلام لا يعني أنه من الخطأ أن تبدو المرأة جذابة وجميلة، ولكن  الخطأ هنا أن تكون الكثير من المصادر حولها تشعرها بأن شكلها هو المهم وفقط.

حتى وإن وقعت في فخ كهذا، فقد كرهتُ دائما الطريقة التي يعامل بها العالم المرأة كسلعة أو وسيلة عرض. لذلك لطفا لا تسمحوا لأي شخص/وكالة اعلان أن يشعوركم بأنكم أقل.

“لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ”

ختاما، تذكرت هكذا وأنا أشرب قهوة الصباح عبارة تقول: “فتاة الاعلانات لا تُشبه نفسها” وعندما قررت البحث عن مصدرها، وجدت تدوينتي الجديدة. بشكل جدي، من أحب التدوينات إلى قلبي، هي التي أجدها وأنا أبحث عن شيء آخر. تقول أحلام مستغانمي:

أجمل حب هو الذي نعثر عليه أثناء بحثنا عن شيء آخر“❤️ 

أوقات طيبة ..

في السوق: تعدد الخيارات، حرية أم عجز؟

Overchoice

كان قد لفت انتباهي الطريقة التي يتعامل بها معي البائع في محل الساعات، فور دخولي، بعد الترحيب وقبل أن أرى الموجود يسألني كالتالي: “أنت حابه ساعة عملية أو مناسبات؟ ألماس أو بدون؟ فضي ذهبي روز؟ عندك حد معين بالسعر؟” وهكذا. كنتُ أحسب فيما مضى أنها كانت من منطلق العناية بالعملاء ليس إلا، وكنت غالبًا أحاول الترحيب بهذا النوع من المساعدة، لتقليل الوقت الذي سأقضيه في الاختيار.

لم تكن عناية بالعملاء فحسب.. في السوق، يتم طرح الكثير من الخيارات لإعطاك مزيدًا من الحرية في اختيار مايلائمك، وفي الوقت نفسه هذه الخيارات الكثيرة قد تساهم في خلق شعور بالتردد والعجر لديك، لذلك البائع يحاول أن أن يقلل عدد الخيارات عند كل عميل لضمان تمام عملية الشراء. نعود لمحل الساعات، في حال باغتني البائع بالسؤال سأقول ما احتاجه فعلا: “ساعة فضية عملية سعرها لا يتجاوز 500 ريال” مثلا، بينما لو لم يسألني، واضطررت أنا لاستكشاف الخيارات بنفسي، سأقول: “لو أختار فضي بذهبي؟ لو هالمره اشتري ألماس؟ استاهله أنا صح؟ لو..” وفي النهاية صُداع ربما، يتبعه تأجيل لعملية الشراء.

إن عملية اتخاذ القرارات عملية يومية. بعض القرارات تتطلب بذل مجهود لاتخاذها، وبعضها الآخر لا، لأن اتخاذها بشكل خاطئ أو تأجيلها لن يؤثر -بإعتقادنا- على سير حياتنا، اختيار وجبة الغداء مثلا.

في الواقع معظم الخيارات بين الاشياء لا تختلف كثيرًا عن بعضها البعض، إن قيمة الاختيار تكمن في قدرتنا على تحديد الفرق بين الخيارات المطروحة.

  • شينا ينجار

DKPcQssX0AARwGI

قامت شينا ينجار بعمل تجربة لدراسة أثر تعدد الخيارات على العميل، كالتالي: في متجر يحتوي على 348 نوع من المربى، تم وضع كشك قرب مدخل المتجر مباشرة، وضعوا هناك 6 نكهات من المربى أو 24 نكهة مختلفة من المربى، وتمت مراقبة النتائج. في الحالة الاولى، عندما كان هناك 6 أنواع فقط من المربى حوالي 40٪ من الأشخاص توقفوا عندها، أما عندما زادت عدد الخيارات الى 24 نوع فقد توقف 60٪ من الأشخاص لتذوقوا المربى. نلاحظ الآن التأثير العكسي في عملية الشراء: فقط 4٪ من الذين توقفوا في حالة 24 نوع قرروا شراء المربى، بينما 30٪ من الذي توقفوا في حالة 6 أنواع قامو بالفعل بشراء المربى.

كل هذه الخيارات لديها تأثيرين، تأثيران سلبيان على الناس. أحد الآثار، ومن المفارقة، أنه يؤدي إلى العجز، بدلاً من التحرر. مع الخيارات المتعددة المتاحة، يجد الناس صعوبة في اختيار أي شيء.

  • باري شوراتز

اذًا فكثرة الخيارات ترفع سقف توقعاتنا تجاه البدائل المطروحة، تقل قناعتنا بعملية الشراء، لأننا غالبًا سنشعر بأنه قد كان بإمكاننا الحصول على شيء أفضل، حتى وإن كان قرارنا جيد فعلا. ولذلك لا ترفض مهما حدث امكانية طرح الخيارات امامك.

سؤال اليوم: تعدد الخيارات، حرية أم عجز؟

تعدد الخيارات يخدمنا كعملاء، يكسر الاحتكار، يمنحنا حرية أكبر، وفي حال كانت لديك القدرة لتحديد الفروقات بين الخيارات المطروحة، فالمشكلة تتقلص هنا، وفي بعض الحالات تختفي. لكن هل الشركات قادرة على خلق فروقات جوهرية بين منتجاتها لمساعدتنا على الاختيار؟ ليس الكل. شينا ينجار تقول بأن عليهم خفض الخيارات:

الكثير من الناس يشعرون بخيبة الامل عندما اقول “خفضوا” انهم دائما قلقون من خسارة مساحة الارفف. لكن في الواقع، اذا كنت مستعدًا للتخفيض والقضاء على تلك الخيارات الكثيرة، سيكون هناك زيادة في المبيعات وخفض في التكاليف، مما يسهل عملية الاختيار على العميل. عندما أنتقلت “بروكتور اند قامبل” من 25 صنفا من شامبو “هيد اند شولدرز” الى 15 صنف لاحظوا زيادة في المبيعات بنسبة 10٪. شركة القطة الذهبية تخلصوا من اسوأ عشر منتجات خاصة بنفايات القطط، لاحظوا زيادة في المبيعات بحوالي 87٪. العملية كانت عبارة عن زيادة في المبيعات وتخفيض في التكاليف. هل تعلم ان متجر البقالة في المتوسط يعرض لكم 45،000 منتجا، وتاسع اكبر معرض تجزئة في العالم اليوم هو “الدي” وهو يعرض فقط 1،400 منتجا لنوع واحد من معجون الطماطم المعلبة.

تجربة شخصية:

كُنت من الأشخاص الذين لابد أن يمر اعصار على غرفهم عند كل عزيمة. أُخرج ملابسي أتأمل بعضها وأجرب بعضها الآخر، ثم بعد أن يزورني الصُداع و “حومة الكبد” أقرر اختيار شيء كنت قد اعتدت على لبسه. قبل سنة وأكثر من الآن، بدأت بمشروع التخفف، قللت من كل شيء، الملابس، الاحذية، والشنط وبشكل كبير، وجعلت بينها فروقات واضحة في اللون ونوع القماش والتصميم. صارت عملية اتخاذ القرار أسهل وأكثر مرونة، صرت أستطيع التبديل بين ملابسي، وتغيير تنسيقها بكل سهولة. لقد تغيرت، انه يشبه شعور “لقد عرفت لنفسي أخيرًا“.. مشروع عظيم، عليكم به. وللبدء به أقول لكم التالي: أي قطعة لم تلبسوها في هذا الفصل من السنة، أخرجوها لمن يحتاجها، أنتم لن تلبسوها في فصل السنة القادمة، وقولوا ما قالت جنان 🤓

ختامًا:

إن سر السعادة هو التوقعات المنخفضة

كونوا بخير .. صباحًا/مساءً طيبا ❤️

  • عرض لكتاب معضلة الاختيار (هنا)