من البداية، في أيام الجامعة كانت شركة كوكاكولا مُتصدرة عند محاولة دراسة حالة لشركة ما، وذلك لنجاحها على المستوى العالمي وقدرتها على المحافظة على مكانتها رغم المنافسة التي بينها وبين شركة بيبسي. ليس السر في نجاح كوكاكولا هو المذاق فإختبارات التذوق كانت ضدها، انه التسويق.
لم يسبق أن مر علي شخص ما، قال من المرة الاولى أن بيبسي ألذُ من كوكاكولا، فالاغلبية اجمعوا على كوكاكولا، بإستثناء خالي وليد والذي لا أعلم هل قالها لأن بيبسي فعلاً ألذ، أم لانه يعمل لصالحها!
وفي تصويت طرحته على حسابي في تويتر قلت فيه: “ايهم أفضل مذاق بالنسبة لك؟” حصلت فيه بيبسي على 29٪ بينما حصلت كوكاكولا على 71٪ لمشاهدة التغريدة (هنا)
يقول روبرت هيث في كتابه اغواء العقل الباطن:
إذا وضعت العلامتين التجاريتين الشهيرتين كوكاكولا وببسي جنبًا الى جنب في كوبين زجاجيين متماثلين، وطلبت من أشخاص تذوُقهما، ماذا تعتقد أنهم سيختارون؟ الإجابة، كما قد يُجيب أي شخص شاهدَ إعلانات تحدي بيبسي في الثمانينيات سيعرف، هي بيبسي. مذاق بيبسي كولا هو المفضل من قبل معظم الناس في اختبارات التذوق، وهذه حقيقة.
لأجل ذلك يطرح روبرت هيث سؤاله: إذا لم يكن مذاق كوكاكولا هو الأفضل، فكيف لها أن تبيع أكثر من بيبسي وجميع العلامات التجارية الأخرى للكولا مجتمعة؟
يُجيب:
الذي يجعل كوكاكولا ناجحين على هذا النحو هو اهتمامهم بفكرة: الوجود المطلق (أي التواجد والانتشار في كل مكان). يُقال أن الهدف التسويقي لكوكاكولا هو أالا تسير مسافة تزيد عن 100 ياردة في اي مدينة في العالم من دون رؤية علبة كوكاكولا أو اسم كوكاكولا أو شعارها. ولكن ما السبب وراء الأهمية الكبيرة لهذه الفكرة؟ لأنه كلما كثرت رؤيتك لشيء، زاد اعتقادك بأن الناس يشترونه، وكلما اعتقدت أنه لابد أن يكون أكثر شعبية، زادت ثقتك به.
شركة اخرى لا يحضرني اسمها لكنها لإحدى مشروبات الطاقة، كانت تضع العلب الفارغة من مشروبها في نفايات الشوارع، والنوادي الرياضية مثلاً، انها تخبرك هنا عن شيء ما، سيدركه عقلك فورًا، وسيتصرف وفق ذلك، دون أن تشعر أنت بتأثيرها عليك، لأنك تعتقد -اعتقاد خاطئ- بأن الأشياء التي تراها دون أن تعيرها انتباه لن تؤثر عليك.
عقولنا تخضع باستمرار لمؤثرات نجهلها تمامًا. – والتر ديل سكوت
الطريقة المتبعة من قبل كوكاكولا، تساعدنا في فهم بعض الشركات المتواجدة بالقرب منا، جولي شيك قبل الجمعة السوداء مثلا، تعاقدت مع الكثير من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي وذلك للإعلان عن الموقع، النتيجة: الأغلبية من المُتابعين لهؤلاء المشاهير صاروا يتحدثون عنه بإعتباره مصدر إزعاج، حتى أنك صرت تقرأ اسم موقع جولي شيك أكثر مما ترى اعلاناته. تدعي جولي شيك أن أرقام المبيعات في الجمعة السوداء كانت مُضاعفة.
الإعلان له إمكانية التأثير على قرارات الشراء المستقبلية حتى وإن لم يتعامل الأشخاص، المشغولون بمهمة أخرى، مع الإعلان بيقظة. – شابيرو
مياه بيرين على سبيل المثال، إذا كنت ممن يتابعون المشاهير في السناب شات، فلا يكاد يمر يومك دون أن ترى علبة بيرين، على الطاولة، في السيارة، في الشنطة، حتى أن واحدة من المشاهير كانت علبة بيرين تظهر من تحت العباية!! يا الله!
مالك شركة بيرين كان يصور بيرين غالبًا وهي تُقدم له مع القهوة، في الصباح والمساء، هذه العادة تبناها المشاهير من بعده، والآن الأهل والأصدقاء صاروا يقدمون مياة الشرب المعبأة مع القهوة! وغالبًا تكون بيرين. هذه الطريقة التي تتبعها الشركات تجعل اسم الشركة حاضرًا في ذهنك، وبالتالي تكون هي اختيارك الأول، وهذا يجعلنا نُفكر مرة اخرى في المؤثرات التي نجهلها.
قصة قصيرة ختامية: كنت في السوبرماركت، ذهبت لثلاجة الماء، وبالرغم من العدد الكبير من الشركات التي تقدم المياة المعبأة إلا أن يدي امتدت مباشرة على بيرين. الحقيقة أني توقفت لحظتها، وكأني استيقظت فجأة! “ليش بيرين؟” ربما تكون فعلا من أفضل مقدمين المياة، لكن الحقيقة أني سقطت من عين نفسي لحظتها لشعوري بأني لم أستطع التغلب على تأثير هذه الشركات عليّ. بشكل أو بأخر كان هذا الموقف من الأسباب التي شجعتني على كتابة هذه التدوينة.
كونوا بخير ❤️
على هامش التدوينة، هنا سؤال وجواب:
- هل نجحت حملة جولي شيك الأخيرة؟
أحمد الجبرين يُجيب: (هنا)
- لماذا أغلب المشاهير يشربون مياه بيرين؟
محمد بن نحيت يُجيب: (هنا)
- لماذا كوكاكولا وببسي يسوون اعلانات رغم شهرتهم؟
هادي فقيهي يُجيب: (هنا)
- هل تلاعبت المؤسسات بنتائج الأبحاث التي تخص السكر؟
يزخر تاريخ البحث العلمي بدراسات خضعت لتأثير الشركات وتلاعبها، وأشهرها الأبحاث التي غزت المنصات العلمية، بتوجيه من قطاع صناعة السكر، وذلك بهدف تبييض سمعة المادة البيضاء. ففي ستينات القرن الماضي، انتقلت الأنظار بشكلٍ مفاجئ من السكر إلى الدهون المشبعة، بصفتها سبباً رئيسياً لأمراض القلب، في محاولة لتجاهل مخاطر السكر الكبيرة وصبها في مكانٍ آخر. وقد كشفت وثائق نشرتها مجلة JAMA Internal Medicine ، في العام 2016، أن “مؤسسة السكر البحثية” دفعت نحو 50 ألف دولار في العام 1967 لثلاثة علماء من جامعة هارفرد من أجل نشر دراسة عن السكر، الدهون وأمراض القلب. وقد عمد الباحثون في هذه الدراسة إلى تضخيم أثر الدهون المشبعة على صحة الإنسان في مقابل تقليص أثر السكر. لقراءة المقالة كاملة (هنا)
لذلك نقول: نعم تلاعبت مؤسسات كبرى وشركات صناعة السكر العالمية بالتعاون مع جامعات شهيرة في العالم في نتائج علمية تخص أضرار الشراهة في تناول السكريات. لقراءة المقالة كاملة (هنا)
- هل فعلا مولت كوكاكولا أبحاثًا تبرئها من البدانة والامراض؟
كوكاكولا لديها ميزانيات ضخمة وعلاقات مع أكاديميين ومسؤولين وأطباء لنشر دراسات تشكك في علاقة السكّر بالسمنة والأمراض. لقراءة المقالة كاملة (أضغط هنا)
- من هم ملاك وداعمين شركات الأبحاث المتعلقة بصحة الانسان؟
على سبيل المثال لا الحصر: الجمعية الأميركية للغذاء American Society of Nutrition ASN مملوكة من مجموعة من الشركاء ومنهم سلسلة ماكدونلدز وكوكا كولا وغيرهما. كما أن لـASN مجلة علمية بعنوان Journal of Clinical Nutrition، ومن أعضائها الذين يمتلكون صلاحية تقرير موادّ النشر دايفد آليسون، وهو معروف بامتلاكه علاقات قوية مع شركات تصنّع مشروبات غازية مثل بيبسي وكوكا كولا. وقد نشرت مجلة International Journal of Obesity في العام 2015 دراسة تطرح المياه الغازية بديلاً من الماء، لمساهمتها في خسارة الوزن. وقد موّلت هذا البحث منظمة International Life Sciences Institute، التي كان يرأسها الشخص نفسه الذي يشغل منصب نائب رئيس شركة كوكا كولا. المصدر (هنا)