في السوق: تعدد الخيارات، حرية أم عجز؟

Overchoice

كان قد لفت انتباهي الطريقة التي يتعامل بها معي البائع في محل الساعات، فور دخولي، بعد الترحيب وقبل أن أرى الموجود يسألني كالتالي: “أنت حابه ساعة عملية أو مناسبات؟ ألماس أو بدون؟ فضي ذهبي روز؟ عندك حد معين بالسعر؟” وهكذا. كنتُ أحسب فيما مضى أنها كانت من منطلق العناية بالعملاء ليس إلا، وكنت غالبًا أحاول الترحيب بهذا النوع من المساعدة، لتقليل الوقت الذي سأقضيه في الاختيار.

لم تكن عناية بالعملاء فحسب.. في السوق، يتم طرح الكثير من الخيارات لإعطاك مزيدًا من الحرية في اختيار مايلائمك، وفي الوقت نفسه هذه الخيارات الكثيرة قد تساهم في خلق شعور بالتردد والعجر لديك، لذلك البائع يحاول أن أن يقلل عدد الخيارات عند كل عميل لضمان تمام عملية الشراء. نعود لمحل الساعات، في حال باغتني البائع بالسؤال سأقول ما احتاجه فعلا: “ساعة فضية عملية سعرها لا يتجاوز 500 ريال” مثلا، بينما لو لم يسألني، واضطررت أنا لاستكشاف الخيارات بنفسي، سأقول: “لو أختار فضي بذهبي؟ لو هالمره اشتري ألماس؟ استاهله أنا صح؟ لو..” وفي النهاية صُداع ربما، يتبعه تأجيل لعملية الشراء.

إن عملية اتخاذ القرارات عملية يومية. بعض القرارات تتطلب بذل مجهود لاتخاذها، وبعضها الآخر لا، لأن اتخاذها بشكل خاطئ أو تأجيلها لن يؤثر -بإعتقادنا- على سير حياتنا، اختيار وجبة الغداء مثلا.

في الواقع معظم الخيارات بين الاشياء لا تختلف كثيرًا عن بعضها البعض، إن قيمة الاختيار تكمن في قدرتنا على تحديد الفرق بين الخيارات المطروحة.

  • شينا ينجار

DKPcQssX0AARwGI

قامت شينا ينجار بعمل تجربة لدراسة أثر تعدد الخيارات على العميل، كالتالي: في متجر يحتوي على 348 نوع من المربى، تم وضع كشك قرب مدخل المتجر مباشرة، وضعوا هناك 6 نكهات من المربى أو 24 نكهة مختلفة من المربى، وتمت مراقبة النتائج. في الحالة الاولى، عندما كان هناك 6 أنواع فقط من المربى حوالي 40٪ من الأشخاص توقفوا عندها، أما عندما زادت عدد الخيارات الى 24 نوع فقد توقف 60٪ من الأشخاص لتذوقوا المربى. نلاحظ الآن التأثير العكسي في عملية الشراء: فقط 4٪ من الذين توقفوا في حالة 24 نوع قرروا شراء المربى، بينما 30٪ من الذي توقفوا في حالة 6 أنواع قامو بالفعل بشراء المربى.

كل هذه الخيارات لديها تأثيرين، تأثيران سلبيان على الناس. أحد الآثار، ومن المفارقة، أنه يؤدي إلى العجز، بدلاً من التحرر. مع الخيارات المتعددة المتاحة، يجد الناس صعوبة في اختيار أي شيء.

  • باري شوراتز

اذًا فكثرة الخيارات ترفع سقف توقعاتنا تجاه البدائل المطروحة، تقل قناعتنا بعملية الشراء، لأننا غالبًا سنشعر بأنه قد كان بإمكاننا الحصول على شيء أفضل، حتى وإن كان قرارنا جيد فعلا. ولذلك لا ترفض مهما حدث امكانية طرح الخيارات امامك.

سؤال اليوم: تعدد الخيارات، حرية أم عجز؟

تعدد الخيارات يخدمنا كعملاء، يكسر الاحتكار، يمنحنا حرية أكبر، وفي حال كانت لديك القدرة لتحديد الفروقات بين الخيارات المطروحة، فالمشكلة تتقلص هنا، وفي بعض الحالات تختفي. لكن هل الشركات قادرة على خلق فروقات جوهرية بين منتجاتها لمساعدتنا على الاختيار؟ ليس الكل. شينا ينجار تقول بأن عليهم خفض الخيارات:

الكثير من الناس يشعرون بخيبة الامل عندما اقول “خفضوا” انهم دائما قلقون من خسارة مساحة الارفف. لكن في الواقع، اذا كنت مستعدًا للتخفيض والقضاء على تلك الخيارات الكثيرة، سيكون هناك زيادة في المبيعات وخفض في التكاليف، مما يسهل عملية الاختيار على العميل. عندما أنتقلت “بروكتور اند قامبل” من 25 صنفا من شامبو “هيد اند شولدرز” الى 15 صنف لاحظوا زيادة في المبيعات بنسبة 10٪. شركة القطة الذهبية تخلصوا من اسوأ عشر منتجات خاصة بنفايات القطط، لاحظوا زيادة في المبيعات بحوالي 87٪. العملية كانت عبارة عن زيادة في المبيعات وتخفيض في التكاليف. هل تعلم ان متجر البقالة في المتوسط يعرض لكم 45،000 منتجا، وتاسع اكبر معرض تجزئة في العالم اليوم هو “الدي” وهو يعرض فقط 1،400 منتجا لنوع واحد من معجون الطماطم المعلبة.

تجربة شخصية:

كُنت من الأشخاص الذين لابد أن يمر اعصار على غرفهم عند كل عزيمة. أُخرج ملابسي أتأمل بعضها وأجرب بعضها الآخر، ثم بعد أن يزورني الصُداع و “حومة الكبد” أقرر اختيار شيء كنت قد اعتدت على لبسه. قبل سنة وأكثر من الآن، بدأت بمشروع التخفف، قللت من كل شيء، الملابس، الاحذية، والشنط وبشكل كبير، وجعلت بينها فروقات واضحة في اللون ونوع القماش والتصميم. صارت عملية اتخاذ القرار أسهل وأكثر مرونة، صرت أستطيع التبديل بين ملابسي، وتغيير تنسيقها بكل سهولة. لقد تغيرت، انه يشبه شعور “لقد عرفت لنفسي أخيرًا“.. مشروع عظيم، عليكم به. وللبدء به أقول لكم التالي: أي قطعة لم تلبسوها في هذا الفصل من السنة، أخرجوها لمن يحتاجها، أنتم لن تلبسوها في فصل السنة القادمة، وقولوا ما قالت جنان 🤓

ختامًا:

إن سر السعادة هو التوقعات المنخفضة

كونوا بخير .. صباحًا/مساءً طيبا ❤️

  • عرض لكتاب معضلة الاختيار (هنا)
الإعلان

القهوة أم الكوب؟

 

Cup or Coffee-

 

عندما كنتُ في الجامعة درست مادة “إدارة الجودة الشاملة” ولأني درستها على يد أستاذة فاضلة وعزيزة جدًا، فقد غيرت فيني أشياء كثيرة -هذه المادة- من ضمنها: ضرورة الموازنة بين حاجتي والجودة، إذا أنه ليس كل شيء يجب أن تكون جودته عالية، الجودة المتوسطة تكون كافية أحيانًا. ثم أن أهم نقطة في الجودة هي كالتالي: الجودة تبدأ من الداخل، من عمق الاشياء. فالشركات التي تريد تطبيق الجودة الشاملة تقوم بدمج مخطط الجودة مع الخطة الاستراتيجية للشركة، بجميع أقسامها.

الجودة تبدأ من الداخل ثم تحفر طريقها للخارج. – بوب مواواد

المشكلة عندما ننظر للجودة بنظرة سطحية، وساذجة. مثلا يرى البعض انه كل ما زاد ثمن الشيء زادت جودته، صحيح أن الجودة قد تكون فعلا عالية، لكن هل السعر بقدر الجودة أم يتجاوزها بأضعاف؟ لان السعر يتأثر بعناصر أخرى مثل: الطلب، العرض، القوة الشرائية، المنافسة، فلسفة إدارة الشركة ولا ننسى قوة العلامة التجارية. هذا غير أن بعض الشركات في الاصل تستهدف طبقة اجتماعية مُحددة، لكن التسويق الجيد المتبوع بقلة وعي عند المستهلك حاس الدنيا فصرنا لا نعرف ماهو لنا وماهو علينا.

في رمضان الماضي، احضرت لي أختي كوب قهوة سعره 30 ريال، لا أتذكر كم مره ارتشفت منها بهدوء فقط في محاولة لايجاد الميزة التي تجعلها بهكذا سعر! لم أجد شيء سوى انها تتبع لعلامة تجارية عالمية. بعض الشركات نجحت في إضافة قيمة لعلامتها التجارية بحيث نشعر بالسعادة عند الشراء منها، حتى وإن كانت سعادة وهمية وقصيرة، فقد أوصلتنا لمرحلة أننا صرنا نشتري القهوة لأجل الكوب الذي عليه علامتها التجارية “البراند” لا القهوة ذاتها.

طرحت استفتاء على حسابي بتويتر قلت فيه: “لماذا تشتري قهوتك من ستاربكس؟ ليش مب من أستاذ القهوة مثلا!” مع العلم أن أستاذ القهوة كافية محلي. كانت النتيجة كالتالي: 39٪ لان مذاق القهوة رائع، 42٪ لانهم ستاربكس وأخيرًا 19٪ لانهم يكتبون الاسم على الكوب. الاستفتاء للتأمل ولمشاهدة التغريدة ( هنا )

 

ALP-costa-3-561x841

الاعلان السابق هو لشركة المقاهي العالمية Costa تقول فيه: “نقضي مزيداً من الوقت في اتقان مهارة تحضير القهوة أكثر من كتابة الأسماء” ياترى مين تقصد؟

في اللحظة الاولى من قراءة الاعلان ضحكت، ثم بعدها فكرت في أنه ياترى هل كانت Costa “تطقطق” على منافسها StarBucks وإلا علينا إحنا؟ الحقيقة تقول: صعبة نتقبل فكرة أننا اصبحنا مجرد مستهلكين للعلامات التجارية المختلفة. أنا أشعر بالاستياء في كل مرة تنطلي فيها علي خدعة تسويقية أو اعلان، فأقوم بشراء شيء لأجل القيمة المعنوية التي فيه، أو أشتري مالا أحتاجه. لذلك نصيحة كل يوم: لا تكن عاطفي. أو حاول على الأقل أن لا تكون كذلك.

الولاء المُطلق، يعني إنعدام الوعي. – جورج أورويل

ختامًا، بما أني من عشاق القهوة، يلفت انتباهي كل شيء يتعلق بها، وقد جاءت فكرة هذه التدوينة من مقطع مترجم في تويتر كان يقول بشكل عام: “أستطعم القهوة، لا شكل الكوب

المقطع في الرابط التالي ( هنا ) .. مشاهدة ممتعة

وبمناسبة قُرب الشتوية: صباحكم قهوة 🙂

رولكس Rolex | المنظمة الغير هادفة للربح!

Rolex_logo_svg

رولكس الاسمُ الذي أرتبط في أذهاننا منذُ نعومة أظافرنا بالعوائل الثَرية، والشخصيات المرموقة. ليس كل أحد يستطيع أن يمتلك سلعة واحدة منها باعتبار أن اسعارها تهزُ ميزانية الطبقة المتوسطة وهي التي تعتبر طبقة قادرة ماديا على تكاليف الحياة. حتى أنه قبلَ فترة كانوا يتحدثون عن سَيدة ما فقالوا: ” يوم الدنيا دنيا كانت لابسة رولكس.. يوم الناس ما تطولها” رغم أني أرفض فكرة التصنيف للآخرين بناء على أشياء مادية الا أنني أصفق وبشدة للمؤسسة التي استطاعت أن تكون رمز قوي ومؤثر. فهي تُعتبر أول شركة تحصل على شهادة اعتماد لتصنيع الآت دقيقة لضبط الوقت.

أعتقد أنني ليلة أمس قد جلتُ بيتنا كله، وهذا من تأثير المعلومة الجديدة الخاصة بـرولكس التي وبالصُدفة قرأتها، فكلما رأيت أحد أفراد العائلة أقول: “ما دريت عن رولكس!” لم أكن اتصور يوما أن تكون العلامة التجارية الأكثر نفوذا في العالم في مجال صناعة الساعات هي بالأصل: (منظمة غير هَادفة للربح) وبالإنجليزية تسمى: ( Non-profit organization) وتعريف المنظمات الغير هادفة للربح ببساطة:

هي الجمعيات الخيرية أو المؤسسات الاجتماعية التي تهدف لإنتاج فائض مالي فقط للمساعدة في تقديم تبرعاتٍ لقضايا جديرة بالاهتمام.

ولأن عائدات شركة رولكس كانت عالية منذُ فترة طويلة، فعندما أنتشر بين الناس أن رولكس منظمة غير ربحية تساءل الأغلبية: إن كان لا أحد يستخدم هذهِ الأموال, فكم عدد المليارات المكنوزة على مر السنين؟ هذا لغز. فتطوير الشركة ودفع رواتب الموظفين وصناعة المزيد من الساعات لا يُمكن أن يكلف كل هذ المليارات! حتى أنهم يصنعون في اليوم الواحد حاليًا 2000 ساعة، ومع ذلك يبقى السؤال: أين تذهب بقية الأموال إن كان المؤسس لـرولكس لا ينتفعُ منها؟

نص المعلومة يقول:

ساعات رولكس، ربما تكون الأكثر فخامة والأعلى سعرًا. المدهش أنها تدار عن طريق مؤسسة غير هادفة للربح، والأرباح تذهب لتطوير الشركة ورواتب الموظفين والأعمال الخيرية. فهى تربح أكثر من 4 مليارات دولار سنويًا لا تذهب لأحد بل يُعاد تدويرها في مشاريع خيرية كالإنفاق على التعليم أو مشاريع بحثية أو لتطوير (رولكس) نفسها. المؤسس (هانس ويلزدورف) حرص من بداية تأسيس رولكس أن يذهب جزء من الأرباح إلى الأعمال الخيرية، والآن (رولكس) مملوكة بالكامل لمؤسسة غير هادفة للربح تحمل اسمه.

فهي مؤسسة لا تدفع الضرائب لأنها تصنف مثل الجمعيات الخيرية. ونظرًا لذلك يقول يوسف محمد:

هي منظمة غير ربحية، لذلك يجدر الاعتماد على جودتها لأن هدفها ليس مجرد تحقيق أرباح.

 ويقول Jordan Ficklin في مقال Not for Profit Rolex :

Rolex is a good company and I owe them for helping me get a good start in my career but they aren’t quite a non-profit organization. They contribute liberally to charities around the world while still turning a profit and growing their business. Their unique situation allows them to weather storms and keeps them from being bought or sold. Rolex will be around for many more years doing good and making excellent watches.
رولكس شركة جيدة وأنا ممنون لهم لمساعدتهم لي في بداية وظيفتي لكنها ليست شركة غير ربحية تماماً. فهم يتبرعون بكرم للجمعيات الخيرية حول العالم بينما في نفس الوقت يجنون أرباحاً وينمون تجارتهم, فالوضع الفريد للشركة يسمح لهم بمواجهة الصعوبات و الحفاظ عليها من الشراء او البيع, ستبقى رولكس لسنوات عديدة تعمل صالحاً و تنتج ساعات ممتازة.

إضافة الى تبرعهم للجمعيات الخيرية فقد عُرفت رولكس بأنها داعمة لجميع مدارس تصنيع الساعات.

وفي هذا الإطار رفض المتحدث الرسمي لشركة رولكس الحديث عن ما يثبت أن مؤسسة ويلزدروف تقوم بتبرعات خيرية. مما أثار الشكوك حول حقيقة (الخيرية) التي تقوم بها رولكس، هل هي حقيقة أم تهرب من الضرائب؟ هل يستفيد أبناء المؤسس منها من خلال تسديد ديونهم أم لا؟ والكثير من الأسئلة التي لا يستطيعون الحصول على إجابة شافية لها نظرًا لأن القانون السويسري لا يلزم الشركة التي تُسجل غير ربحية بالتصريح عن أي معلومة عن أعمالها الخيرية ولا حتى أرباحها السنوية.

يقول  Jordan Ficklin :

ليس لدينا أي طريقة لمعرفة أرباح الشركة و كم من المال يتم التصدق به, و لكن هناك شيء واحد مؤكد وهو أن الأموال الائتمانية ضخمة جداً! يقول رومور الرت أن شخصاً يعمل لدى رولكس أخبره أن الموارد المالية كبير لدرجة أن رولكس يمكنها الاستمرار في انتاج الساعات لعدة سنوات بنفس المعدل الحالي و دفع رواتب جميع موظفيها من الموارد المالية في نفس الوقت من غير الحاجة لبيع ساعة واحدة!

رغم ذلك فإن الحقيقة الوحيدة هي أن رولكس فعلا  تصنف كمنظمة غير هادفة للربح، والخِلاف يبقى في: لماذا أصبحت خيرية؟ هل هي خيرية 100%؟

ختامًا: ان ارتباط اسم رولكس بالأعمال الخيرية يُساهم في رفع سمعة الشركة لدى المجتمع وبالتالي زيادة أرباحها على المدى الطويل.

ونصيحة هذا اليوم: أن هذهِ السمعة التي حظيت بها رولكس لا تعني عدم وجود منتجات بديلة بأسعار معقولة. ولذلك دائمًا وابدًا لا تُحمل نفسك مالا طاقة لها به.

طابت أوقاتكَم يا أصدقاء 🙂