صباح آخر واقف بالباب: كيف نطوي أيام العطالة؟

صباح واقف بالباب”، هذا صباح آخر واقف بالباب، وأنا “أفعل ما يفعل العاطلون عن العمل، أُربي الأمل”، ولأن علاقتي مع الليل متوترة باعتباره وقت لا أستطيع أن أقطعه لوحدي، فأنا أعيش غالب أيامي على مذهب “مضناك يصلي العشاء وينام”، وأستيقظ في الساعة الرابعة فجرًا، مع العصافير وأحيانًا بعدها.. أُعد قهوتي العربية وأبدأ يومي بأمل أُجدد فيه من نفسي، رغم أني على ثقة بأنه “ليس أقسى علينا من اليأسِ إلا الأمل”، وأن المنفلوطي قد صدق عندما قال: “ولو أنك أجملت في أملك، لما غلوت في حزنك”.

الأمل رائع، ولكن من يمنحونه أجنحة أكثر مما يحتمِل، لا يعرفون أنهم بذلك يمنعونه من التّحليق.”

– ابراهيم نصر الله

في الفترة الماضية عانيتُ من الأرق، دون أن أجزم على سبب واحد يبرره، هل كانت المشقة في قلبي أم في الطريق؟ أم في “الأعوام التي توالت عام بعد عام ولم أرَ”؟ لستُ أدري.

“بين المصير وبين هم المقابيل.. يدي على قلبي وقلبي على جرف”

متى بدأت الحكاية؟

في عام 2017 أي بعد استقالتي من أول وظيفة شغلتها، وبعد أن انقضت أيام الاستمتاع بالفراغ، وجدتُ نفسي بين أربعة جدران وهواجس ما تنفك من رأسي، توجب علي حينها أن أرمي نفسي إلى شيء، أي شيء.. من هنا بدأ اهتمامي ينصب في المالية والاقتصاد بعد أن كان في الإدارة والتسويق، ومنها إلى فقه المعاملات، لاستطيع بهذا تكوين تصورات مالية/اقتصادية لا تنفك عن الشريعة الإسلامية.. لقد ساعدني -بعد عون الله لي- الوقت الوفير الذي كان بحوزتي في الوصول إلى ما أنا عليه اليوم، وهذا الامتنان رغم امتعاضي القديم من ساعات الفراغ، إذ كل ما فعلته هو الانغماس في المعرفة، ومع ذلك ما زالت بضاعتي مزجاة، إن كل يوم أعرف فيه شيء جديد، يكبر في عيني مقدار جهلي.

“تقريبا أنا لم أعد أغبط الآن أحدًا إلا الطير في توكله.”

– محمود توفيق

بعد مرور 6 أشهر من عام 2017 بدأت بوظيفة جديدة عن بعد وبنظام ساعات مرن واستمريت فيها إلى اكتوبر 2020، قالت لي مديرتي بعد أن ختمنا عملنا مع بعضنا بطلعة مسائية لأحد المقاهي: “فترة بسيطة يا جنان ثم بتروحين تدورين لك شيء، ماراح تعرفين تقعدين فاضية” وهذا ماحدث.. إذ أني بعد استقالتي انغمست في دورة التأهيل الفقهي، وبعد اجتيازها وحصولي على الإجازة شعرت بأني تأهلت للفتياء إلا قليلا :p

الآن قاربت على إتمام عام من استقالتي، ورغم أن مديرتي في أخر يوم قد أهدتني سلسال (المرأة الخارقة) إلا أني لا أعرف هل اختيارها جاء بناء على اعتقادها بأني امرأة قوية فعلا، أم جاء ليذكرني بأن علي أن أبدو قوية وإن “استفاضت من عيوني صرختي”؟ أنا اخترت الاثنين معًا.

قيل لابن عباس رضي الله عنه كيف أصبتَ هذا العلم؟ قال: “بلسانٍ سؤولٍ، وقلبٍ عقُول”

في أيام الجامعة قالت لي أستاذة: “أنتِ عنيدة” لأني لا أكف عن طرح الأسئلة، والاعتراض أحيانًا على ما تؤمن هي به، رغم أني وقتها لم يكن لدي من العلم مايدفعني للاعتراض، فقط أنا (أحس لا).. كنت ومازلت مؤمنة بتأثير الأساتذة خلال أي رحلة تعليمية، وأن التعلم الذاتي لوحده لا يفي بالغرض، الحوارات تصقل المعلومة في ذهنك، وتساعدك في دراستها على نحو أوسع مما لو كنت وحدك.. سعيتُ في السنوات الأخيرة إلى معرفة المبدعين في مجالي وفي مجال فقه المعاملات، أحب فكرة أن أكون محاطة بأشخاص أفضل مني، هذا يحفزني في كل مرة إلى نهل المزيد من العلم، ثم إن الاسترشاد برأي أشخاص محددين، يقلل من عملية التشتت التي تصاحب دخولك في بحر معرفة واسع، ففي كل مرة تجد نفسك في حيرة، فأنت تعود إلى دليلك ليُرشدك، من باب أن المرء قوي بإخوانه لا بنفسه.

حتى اليوم مر علي -ولله الحمد- أشخاص آمنوا بي، وهم “لا عيب في معروفهم غير أنهُ.. يُبين عجز الشاكرين عن الشُكرِ”.. وكم دفعني هذا الايمان الى المزيد من الجهد، وكم أرتكيتُ عليه في كل مره حاول أحد ما هز ثقتي بنفسي أو بقدرتي.

“إن الشريك الدائم لنجاحاتك ليس من علّمك، بل من راهن على عقلك، وأيقظ جسارتك في حين كنتَ حائرًا ومتوجسًا في مراحلك الأولى.”

– أروى الفهد

وعن فائدة وجود أساتذة/مُرشدين أقول: في آخر سنتين عرفتُ أن (الاستفزاز) أحد أهم عمليات التعلم، لكن هذه العملية تحتاج إلى مُرشد يستفز ذكائك الخامل، قيل لي: “الربا مفيد” وأنا منذ سنتين أبحث لأثبت بأنه لا يمكن الجزم بفائدة الربا مطلقًا، فنفع المعاملة المالية يأتي على وجهين: إما جزئي للطرفين أو كلي للمجتمع، أو الاثنين معا، والربا عادة يغلب فيه نفع واحد على آخر، والاسلام في معاملاته يرفض أن تغلب منفعة على أخرى، والحديث في هذا يطول..

قبل الختام: أستطيع أن أجزم بأن المعرفة هي أفضل ما ترمي إليه نفسك في حال كنت عاطلا عن العمل، ولأن قرارتك في الحياة وحتى المصيرية منها ستستند وإن لم تشعر إلى حصيلتك من المعرفة والإدراك، فالفهم سيكون خطوتك الأولى لرفع جودة حياتك وعلاقاتك الإنسانية.

ختامًا:

“قد تُصبح سنواتك الكارثيةفيما بعدحال التأمل فيها أجمل سنواتك. ذلك أنها تضطرك غالبًا إلى أخذ منعطفاتٍ جديدة ماكنت لتسبرها لولا هذه النائبة.”

– بنان

أراكم على خير ❤️

الإعلان