اكتب الآن وأنا أمر بوعكة صحية تشبه الانفلونزا وكورونا والنزلة المعوية، لا أعرف ماهيتها حتى الآن، ولأني لا أعرف قمت بتأجيل كافة مواعيدي لهذا الأسبوع، وبقيت في المنزل. في اليوم الأول شعرتُ مرتين ولمدة 5 ثوان تقريبا بأن قلبي لفرط خفقانه يود لو يخرج، ولأن خفقات القلب تتبعها مباشرة فكرة الموت، ارتكيت على جدار غرفتي بهدوء، لأن خفقة الموت لا جدوى من الخوف منها، آتية لا محالة.
“ما لا يُقال إلا همسًا، لا الألم، بل مكانه بعد أن يزول، مكانه الذي يبقى موجعًا لشدّة ما يزول.”
في الأسبوع الماضي آلمتني روحي بعد “ليلةٍ فيها شحذت النور يسري بي وعيا”، وكنتُ طوال الأسبوع أحاول دون جدوى مداواتها، وهي تأبى، وأنا قد اعتدت على “ولا تُرينَّ الناسَ إلا تجمُلاً.. نبا بكَ دهرٌ أو جفاكَ خليلُ” بما فيهم أهلي، وانعكاس ألمي على وجهي يؤلمني، أن أكون أضعف من القدرة على إخفائه، أو انه فعلا أكبر من يخفى.
يقال بأن الألم العضوي أهون على الجسد من النفسي، ولذلك تقل مناعة الإنسان عندما يتألم، فيحاول الجسم تحويل الألم النفسي إلى المعدة أو الرأس على هيئة صداع، وأنا الآن اتساءل هل التقطت هذه الوعكة من أختي أم من ألمي؟ ربما كلاهما.
“كالأشجار، متورطٌ بالوقوف من يفهم رغبتك بأن تستريح قليلًا؟”
ولأن “موت الأب كثيف يفوق حضوره. وكأننا في غيابهم، ندرك حضورهم.” كان والدي -رحمه الله- حاضرا طوال الأسبوع، في كل مرة أكون فيها عديمة الحيل تجاه ألمي يأتي، تخيل أن امرأة على مشارف الثلاثين لم تتجاوز ألم غياب ابيها رغم مرور سنوات بقدر عمرها.. في سنواتي الأولى كنتُ أحاول دون جدوى ملء الفراغ في داخلي، لم أكن أعرف بعدم جدواه، ولعل هذا ما أفزعني في وفاة خالي عبدالله -رحمه الله- أنه كان الرجل الأول في حياتي، وكان وجوده مجرد وجوده سند هائل لي، ومنذ سنوات لا تُعد توقفت عن المحاولات، وآمنت بأن علي حمل هذا الفراغ في داخلي، وإكرامه بالصبر.
“أعللُ بالمُنى قلبًا عليلا .. وبالصبرِ الجميلِ وإن تمادى”
ماذا عن هبة الألم؟
إن كان للألم هبة فيجب أن تكون في المقام الأول إدراك الإنسان بأن الله هو الكبير في عليائه، أما هو فجرم صغير ولا ينطوي عليه شيء، أي شيء. ما الذي يُزيح الألم؟ “القيام بكل ما يمكن للتأكد ألا يشعر به أي أحد آخر” وأحسب أن هذا لا يتعارض مع المعتقد السائد بأن الاشتراك في البلاء يخفف من وقعه، فالأول يساهم في دوام الفضيلة فيك، والثاني يوسع دائرة صبرك.
“وحين يمر عزيزٌ عليّ، ويسأل عما خفا واستجد.. أأنت بخير؟ بقيتُ بخير”
نُربي الأمل
لطالما آمنت بأن الأمل واعتقاد أن الخير قادم لا محالة من كمال الأدب مع الله جل في علاه، أن نحسن الظن بمن وسعت رحمته كل شيء، وإن كان ظاهر الأمر فيه الألم، وإن كان ”اللي هقيته بيستقعد لسود الليال/ قدام عينه يضايقني الزمان وقعد”، نقف فنقول: “يارب.. ما شكل الخير وراء هذا الأمر؟”، فعين الله لا تنام، وهذه الطمأنينة إن استقرت في نفسك، “سلمته الأمر بيقين أن خيرتهُ.. خيرٌ لقلبي مما يشتهي قلبي”.
“بارقة واحدة، ليس بالضرورة من عندِ الله. إشارة يد. مجرد تلميح. حتى لو كان الإلماحُ كاذبًا. فأصدق أن كل هذا تَعبٌ، تعبٌ فقط”
*بسام حجار
كونوا بخير 🤍